بربريا بل لو كان عبدا حبشيا. وأخذوا يحضونهم على كفاح بنى أمية وعمالهم ووصفوهم بالفسق والمعصية، واستجاب جبل نفوسة فى طرابلس للإباضية، بينما استجاب المغرب الأقصى للصفرية وكانوا أكثر تطرفا من الإباضية إذ كانوا يكفرون مرتكب الكبيرة ويوجبون قتله، وعدّوا دار المسلمين دار حرب واستحلوا دماءهم وأموالهم وقتل نسائهم وذراريهم. ومرّ بنا حديث عن ثورتهم فى شمالى المغرب الأقصى بقيادة ميسرة رئيس مضغرة ثم خالد بن حميد الزناتى وانتصارهم على جيوش عبيد الله بن الحبحاب والوالى الأموى بعده كلثوم بن عياض القشيرى، ثم ما كان من انتصار الوالى الأموى حنظلة بن صفوان على جيشين صفريين، وأخيرا انتصار أبى الخطاب عبد الأعلى إمام الإباضية على قبيلة ورفجومة الصفرية حين استولت على القيروان ونكلت بأهلها، وفى أثناء ذلك ينسحب سمكو بن واسول إلى سجلماسة وينشئ بها دولة صفرية كما مر بنا. ويبدو أن بقية المغرب الأقصى أخذت تنفر من عقيدة الصفرية، وساعدت دولة الأدارسة الناس هناك فى القضاء عليها بتلك الأنحاء.
(ج) المعتزلة (١)
كان واصل بن عطاء مؤسس مذهب الاعتزال فى البصرة من أكبر الوعاظ فى عصره إن لم يكن أكبرهم، وقد جعل للاعتزال أسسا خمسة ظلت قائمة فيه بعده، وهى الوحدانية صفة ثابتة لله، بحيث لا يشبه المخلوقات بأى صورة فليس كمثله شئ، وما جاء فى القرآن الكريم والحديث النبوى مما قد يفيد تشبيها يجب تأويله، مثل (يد الله فوق أيديهم) فمعناها قدرة الله فوق قدرتهم، ثم هو واحد فصفاته مثل السميع، البصير هى نفس ذاته. وأساس ثان أو مبدأ ثان هو العدل على الله، ولذلك ينبغى أن يكفل لعباده ما هو أصلح لهم تحقيقا لسعادتهم. وأساس ثالث هو إنفاذ وعده للمؤمنين بأن لهم الثواب والنعيم المقيم والوعيد للكفار الآثمين بالعقاب وعذاب النار، وأساس رابع هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إذ لا يحل لمسلم أن يسكت على جرم أو إثم، وواجب عليه أن يأمر بكل ما هو خير. وأساس خامس هو أن مرتكب الكبيرة فى منزلة بين منزلتى الإيمان والكفر، واختلفت فى ذلك الجماعة الإسلامية اختلافا كبيرا، فكانت المرجئة تعده مؤمنا وأهل السنة يعدونه مؤمنا فاسقا والخوارج: الصفرية والأزارقة يعدونه كافرا إذ يرون العمل جزءا لا يتجزأ من الإيمان، أما واصل فكان يجعله فى منزلة وسطى بين الإيمان والكفر. وكان ماينى يخطب فى شباب البصرة واعظا ومؤيدا آراءه بالحجج والأدلة العقلية، وفتن به الشباب وأصبح له بينهم أتباع وأنصار كثيرون امتلئوا حماسة لدعوته الاعتزالية، فرأى أن يتخذ منهم نفرا يتميز باللسن والفصاحة والخطابة والوعظ كما يتميز بالقدرة الجدلية على الدعوة للمبادئ الاعتزالية، وفرّقهم
(١) انظر فى المعتزلة الملل والنحل للشهرستانى ص ٣١ وكتابنا العصر العباسى الأول ص ١٣٤ وفضل الاعتزال وطبقات المعتزلة بتحقيق الأستاذ فؤاد سيد ص ٦٧، ١١٠، ٢٢٧، ٢٣٧.