عاش بعد لسان الدين المتوفى سنة ٧٧٦ ثلاثين عاما، وهو يلتقى معه فى طائفة من تراجمه غير أنه يضيف إليه بعض تراجم جديدة، بينها ترجمة للسان الدين بن الخطيب وترجمة لنفسه.
ولعل فى كل ما قدمت ما يدل بوضوح على كثرة الشعراء فى الأندلس منذ اكتمل تعربها فى القرن الثالث الهجرى كثرة مفرطة، وظل الشعر حيّا بل مزدهرا فى الأندلس حتى الأنفاس الأخيرة من حياة العرب هناك، وكأنه توأم روحهم، فكلما وجدوا تغنوا بالشعر وصدحوا به معبرين عن مشاعرهم ووجداناتهم، يشترك فى ذلك علماؤهم من كل صنف ورجالهم ونساؤهم وشيوخهم وشبانهم، ومثقفوهم وعامتهم، حتى الأميون منهم وأصحاب الحرف كالخراز والجزار اللذين مر ذكرهما ومثلهما مرج الكحل الشاعر البلنسى فقد نشأ ينادى فى الأسواق ويتعيّش من بيع السمك، وأخذت همته تترقّى قليلا قليلا فى حب الشعر إلى أن نظمه وأجاده. ومثله ابن جاخ الصباغ البطليوسى.
[٢ - الموشحات والأزجال]
[(أ) الموشحات]
الموشحات جمع موشحة، وهى مشتقة من الوشاح وهو-كما فى المعاجم-خيطان من لؤلؤ وجوهر منظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر. والتسمية دقيقة إذ الموشحة تتألف من قفل يسمى مركزا، وتتعدد أجزاؤه أو شطوره، ويليه غصن متعدد الأجزاء أو الشطور، وبينما تتحد أجزاء الأقفال التالية مع الأجزاء المقابلة لها فى القفل الأول سواء فى الوزن أو القافية تختلف أجزاء الأغصان التالية مع أجزاء الغصن الأول فى قافيته، فلكل غصن قافية تتحد فى أجزائه أو شطوره مع اتفاق أجزاء الأغصان جميعا فى الوزن. والموشحة-بذلك-تتألف من مجموعتين من الأجزاء أو الشطور، مجموعة تتحد أجزاؤها المتقابلة فى الأقفال المتعاقبة فى الوزن والقافية، ومجموعة تتحد أجزاؤها فى الوزن وحده دون القافية فإنها تتخالف فيها دائما، وهما-بهذه الصورة-يشبهان الوشاح المذكور آنفا أدق الشبه.
واشتهرت الأندلس بأنها هى التى ابتكرت فن الموشحة، ويظنّ أنه كان لاتساع موجة الغناء والموسيقى منذ زرياب فى عهد عبد الرحمن الأوسط على نحو ما مرّ بنا فى الفصل