للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول أثر كبير فى نشوء الموشحة بقصد الغناء بها مع العازفين، وكأنها تتألف من فقرتين:

فقرة للمنشد وفقرة ترد بها الجوقة. وكان بدء ظهورها فى عهد الأمير عبد الله بن محمد (٢٧٥ - ٣٠٠ هـ‍) يقول ابن سعيد: «ذكر الحجارى فى كتاب المسهب فى غرائب المغرب أن المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم بن معافى القبرى من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المروانى وأخذ عنه ذلك أبو عمر بن عبد ربه صاحب العقد ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر وكسدت موشحاتهما» (١). ويسمى ابن بسام فى ترجمته لعبادة بن ماء السماء مخترعها خطأ باسم محمد بن حمود القبرى الضرير، ويقول: «كان يضعها على أشطار الأشعار، غير أن أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة» (٢) وظن بعض الباحثين -وخاصة من المستشرقين الإسبان-أن ذلك يدل على أن الموشحة لم تكن تنظم فى نشأتها بالفصحى على أعاريض الشعر العربى وأوزانه إنما كانت تنظم على أعاريض المقاطع مثل الشعر الأوربى (٣)، وهو خطأ فى الفهم إذ أن كلمة «الأعاريض المهملة غير المستعملة عند ابن بسام لا تفيد ذلك، إنما تفيد ما ردده العروضيون المشارقة والمغاربة من أن الدوائر الخمس التى ضبط بها الخليل بن أحمد المتوفى سنة ١٧٥ للهجرة أعاريض الشعر العربى تفسح لأوزان مهملة لا تنحصر لم يستخدمها العرب فى أشعارها، واستخدمها فى عصره-كما يقول صاحب الأغانى-تلميذه عبد الله بن هرون بن السّميدع البصرى، وأخذ ذلك عنه وحاكاه فيه رزين العروضى وأتى فيه ببدائع جمة، وجعل أكثر شعره من هذا الجنس (٤) وقد أنشد ياقوت قصيدة له فى مديح الحسن بن سهل، وأشار إلى أنها خارجة على أوزان الشعر العربى وأنها إنما تجرى على وزن من أوزان الخليل المهملة، وهو-فى رأينا-عكس وزن المنسرح. ويعد أبو العتاهية أهم شاعر عباسى ثان نظم أشعارا له مختلفة على تلك الأوزان المهملة على نحو ما يصور ذلك كتابنا «العصر العباسى الأول». (٥)

ومعنى ذلك كله أن كلمة الأعاريض المهملة غير المستعملة التى أشار ابن بسام إلى أن أشطار أكثر الموشحات نظمت عليها لا يقصد بها أنها أعاريض أعجمية، إنما يقصد بها


(١) راجع كتاب المقتطف من أزاهر الطرف لابن سعيد بتحقيق د. سيد حنفى حسنين (نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب) ص ٢٥٥.
(٢) الذخيرة ١/ ٤٦٩.
(٣) انظر بالنثيا فى تاريخ الفكر الأندلسى ص ١٤٢ وما بعدها وراجع فصل الأدب للدكتور مكى فى كتاب أثر العرب فى النهضة الأوربية ص ٥٠ وما بعدها.
(٤) أغانى (طبع دار الكتب) ٦/ ١٦٠.
(٥) العصر العباسى الأول (طبع دار المعارف) ص ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>