للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنها من أعاريض دوائر الخليل المهملة التى لم يستعملها العرب، وقد يقال إنك اقتطعت كلمة ابن بسام من بقية لها تدل على ما نقول، إذ يذكر ابن بسام عن منشئها-فى رأيه- محمد بن حمود القبرى الضرير أنه كان: «يأخذ اللفظ العامى والعجمى ويسميه المركز ويضع عليه الموشحة» وهو يقصد قفلها الأخير الذى يأتى فى الخاتمة. وربما كان ذلك ما دعا «ريبيرا» إلى القول بأن الموشحة طراز شعرى يمتزج فيه الشرق بالغرب. ويتسع المستشرق الإسبانى المعاصر غرسية غوميس بالفكرة ويقول مستدلا بكلمة ابن بسام إن الخرجات (الخواتيم) الرومانثية فى الموشحات الأولى كانت أجزاء مقتبسة من أغان شعبية إسبانية أعجب بها الوشاح الأول، واتخذها قاعدة بنى على شاكلتها موشحته مرصّعا لها بذلك الجزء كما يرصع الخاتم بفصّ من الجواهر الكريمة. وليس فى يد غرسية دليل على أن الخرجة عند الوشاح الأول كانت تقتطع من أغنية رومانثية، فهو مجرد ظن، وأقرب منه وأصحّ منطقيا أن يكون قد حدث أحيانا عند الوشاح الأول ومن حاكوه اقتباس صيغة عامية أو أعجمية فى نهاية الموشحة على سبيل التظرف، كما حدث ذلك مرارا عند بعض الشعراء العباسيين (١). وحتى بعد أن ازدهر هذا الفن فى القرن الخامس وما بعده لم يستطع باحث بين المستشرقين الإسبان أن يرد خرجة رومانثية إلى أغنية رومانثية كانت متداولة فى الأندلس أو تغنّى، فالقول بذلك إنما هو-فى رأينا-مجرد ظنّ لا دليل عليه.

أما لماذا استمر الوشاحون يجنحون أحيانا فى بعض موشحاتهم إلى اختتامها بصيغة رومانثية أو أعجمية فقد ذكر ابن سناء الملك السبب الأهم فيه إذ قال: «الخرجة عبارة عن القفل الأخير من الموشح، والشرط فيها أن تكون حجاجية (نسبة إلى ابن حجاج شاعر بغداد المفرط فى المجون) من قبل السخف، قزمانية (نسبة إلى ابن قزمان الزجال) من قبل اللّحن حارة محرقة من ألفاظ العامة. . ويجعل الخروج إليها وثبا واستطرادا وقولا مستعارا على بعض الألسنة وأكثر ما تجعل على ألسنة الصبيان والنسوان والسكرى والسكران، ولا بد فى البيت قبل الخرجة من قال أو قلت أو قالت أو غنى أو غنت» (٢).

وواضح أن ما تحمله الخرجة أحيانا-أو ما يريد لها الوشاح أن تحمل-من مجون زائد


(١) انظر فى ذلك فصلا فتحه الجاحظ فى البيان والتبيين (طبعة هرون) ١/ ١٤١ - ١٤٤ لمن كان يتملّح بإدخال ألفاظ فارسية فى شعره من الأعراب فضلا عمن كانت أصولهم فارسية، وراجع كتابنا العصر العباسى الأول ص ١٤٢ وما بعدها.
(٢) انظر دار الطراز لابن سناء الملك بتحقيق الدكتور جودة الركابى (طبع دمشق) ص ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>