للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينزل الصين ويقول: فى كل مدينة منها حى للمسلمين ينفردون فيه بسكناهم ومساجدهم، ويقول إن لكل شخص من أهل الصين عكازا يعتمد عليه فى المشى، ويذكر أن الحرير عندهم كثير جدا وأنهم لا يتبايعون بالدينار والدرهم إنما بيعهم وشراؤهم بورق كل قطعة منه بقدر الكف مطبوعة بطابع السلطان (وهم بذلك أول من تعامل بأوراق نقدية) وينوّه ببراعتهم فى التصوير ويطيل الحديث فى ذلك، وقال إنهم يتخذون بيوتا لذوى العاهات. ويقص ما شاهده من عجائب هناك. ويعود من الصين إلى موطنه بعد أن أدّى فريضة الحج، ويرحل رحلته الثانية إلى الأندلس ثم رحلته الثالثة إلى السودان الغربى على المحيط الأطلسى.

والرحلة تصور العالم الإسلامى فى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى أروع تصوير لا بقلم كاتب كبير فحسب بل بريشة فنان بارع وقد اهتم بها المستشرقون فنشروها مع ترجمتها للغاتهم كما نشروا منها قطعا أو أقساما مع ترجمتها والتعليق عليها.

(د) محمد (١) بن على الفشتالى

من قبيلة فشتالة التى كانت تنزل فى الشمال الغربى لمدينة فاس، وهى قبيلة صنهاجية وقد ولد بها سنة ٩٥٦ هـ‍/١٥٤٩ م وتركها مبكرا للتزود من حلقات العلماء فى فاس، وتفتحت موهبته الأدبية سريعا، فكان شاعرا كاتبا وعمل فى دواوين الدولة السعدية، وعرف المنصور الذهبى فضله، فما زال يرقى به حتى أسند إليه رياسة القلم بديوانه، واستعان فيها ببلديّه ومواطنه عبد العزيز الفشتالى، وهو يثنى عليه كثيرا فى كتابه: «مناهل الصفا» وكان المنصور الذهبى يأنس إليه، ففسح له فى مجالسه الأدبية والعلمية وشارك فيما كان بها من مساجلات، وكان ما يزال ينظم فيه مدائح بديعة فى مقدمتها مولدياته التى كان يلقيها فى احتفال المنصور بالمولد النبوى الشريف، وفيه يقول أحمد بن القاضى فى كتابه: درة الحجال: «وزير القلم الأعلى الأديب البليغ الشهير الذكر بالمغرب، وهو علم فى الفضيلة والسراوة (٢) ومكارم الأخلاق وكرم النفس، واسع الإيثار، متين الحرمة، عالى الهمة، كاتب بليغ أديب شاعر، حسن الخط، فصيح اللسان، مؤثر لأهل العلم والأدب». ويذكره فى كتابه المنتقى مرارا بمثل قوله: «وزير القلم الأعلى، وحائز القدح (٣)، المعلى، الكاتب الأعظم، والخضمّ المفخّم، الناظم الناثر، وحائز قصبات السبق فى الدفاتر». وكلفه المنصور الذهبى بسفارة إلى الخليفة العثمانى مراد بن السلطان سليم فأداها على خير وجه، وتعرف فى أثناء ذلك على الخفاجى


(١) انظر فى ترجمة محمد بن على الفشتالى كتاب درة الحجال ٢/ ١٩٠ والمنتقى ١/ ٣٢٩ وريحانة الألباء للخفاجى ص ١٤٨ - ١٦١ والنبوغ المغربى ١/ ٢٧٥ لكنون وكتابه رسائل سعدية والوافى ٣/ ٦٩٢.
(٢) السراوة: الشرف.
(٣) القدح المعلى: أكثر أقداح القمار نصيبا ويكنى به المكانة الرفيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>