هذا هو الجزء الثانى من تاريخ الأدب العربى، وهو خاص بالعصر الإسلامى، وقد وزّعته على كتابين، جعلت أوّلهما لعصر صدر الإسلام وثانيهما لعصر بنى أمية، وكل كتاب ينقسم فصولا تبحث فيها جوانب الحياة فى العصر بحثا ترتّب فيه المقدمات والنتائج موصولة بالنصوص، كما يبحث فيها الأعلام النابهون فى الشعر والخطابة والكتابة بحثا ترسم فيه شخصياتهم وخصائصهم الأدبية.
ودفعتنى النصوص الكثيرة فى عصر صدر الإسلام إلى نقض الفكرة التى شاعت فى أوساط الباحثين من عرب ومستشرقين. إذ ذهبوا يزعمون أن الإسلام انحسر عن أثر ضئيل نحيل فى أشعار المخضرمين. وهو زعم غير صائب، بل هو زعم يسرف فى تجاوز الحق، فقد أتمّ الله على هؤلاء الشعراء نعمة الإسلام، وانتظم كثيرون منهم فى صفوف المجاهدين فى سبيل الله داخل الجزيرة العربية وفى الفتوح. وهم فى ذلك كله يستلهمون الإسلام، ويعيشون له، ويعيشون به، يريدون أن ينشروا نوره فى أطباق الأرض، وقد مضوا يصدرون عنه فى أشعارهم صدور الشّذى عن الأزهار الأرجة. وبالمثل صدروا عنه فى نثرهم، فإذا هم يستحدثون فنونا من النثر ينشئونها إنشاء إذ أنشأوا-على هدى القرآن الكريم-آيات بديعة من المواعظ الدينية، كما أنشأوا ضروبا من المعاهدات والرسائل السياسية والتشريعية.
ثم كان عصر بنى أمية، عصر امتزاج العرب بغيرهم من الأمم وانسياحهم فى مشارق الأرض ومغاربها، مما أذكى فى نفوسهم جذوة الشعر، فإذا هو يحيى فى