للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآيات القرآنية كقوله فى بعض مديحه:

سما بك من فوق السموات رتبة ... أب لك يدعو الله فى السّرّ والجهر

كما قد دعا موسى لهرون ربّه ... أن (اشدد به أزرى وأشركه فى أمرى)

ولا ريب فى أنه كان شاعرا بارعا، كما كان كاتبا نابها دوّنت رسائله كما دوّنت أشعاره، ويقول ياقوت: «له أشعار فائقة، ورسائل رائقة».

أبو الحسن (١) الباخرزىّ

له كنيتان أبو الحسن وأبو القاسم، واسمه على بن الحسن بن على بن أبى الطيب، من باخرز، من نواحى نيسابور، ونراه يعنى فى شبابه بالاختلاف إلى حلقات العلماء بنيسابور. ويكبّ على الاشتغال بالفقه على مذهب الإمام الشافعى، ويختص بملازمة دروس الفقيه المشهور لعصره أبى محمد الجوينى والد إمام الحرمين. ويتجه إلى فن الكتابة. ويوظّف فى ديوان الرسائل لدى الغزنويين، وحين يرتفع نجم السلاجقة نراه يرحل إليهم ويشتغل فى دواوينهم، إذ يصبح كاتبا للسلطان «طغرل» وله فيه مدائح بديعة من مثل قوله:

سرنا ومرآة الزمان بحالها ... فالآن قد محقت وصارت منجلا

تخد الرّكاب فلا تعوج بنا على ... طلل الحبيب ولا تحيّى المنزلا (٢)

وتحرّك الأعطاف تشميرا بنا ... تتيمّم الملك المظفّر طغرلا

وقرّبه منه الوزير الكندرى، وكانا يتعارفان فى شبابهما، ويبدو أنه هو الذى وصله بطغرل، وكان يلازمه فى حله وترحاله، فلما ورد بغداد صحبه معه، وفيها مدح الخليفة القائم بأمر الله سنة ٤٥٥ بقصيدته التى صدّر بها ديوانه مفتتحا لها بقوله:

عشنا إلى أن رأينا فى الهوى عجبا ... كلّ الشهور وفى الأمثال عش رجبا

أليس من عجب أنى ضحى ارتحلوا ... أو قدت من ماء دمعى فى الحشا لهبا

وأنّ أجفان عينى أمطرت ورقا ... وأن ساحة خدّى أنبتت ذهبا

وإن تلهّب برق من جوانبهم ... توقّد الشوق فى جنبىّ والتهبا

ولما سمع البغداديون شعره استهجنوه وقالوا فيه برودة العجم، لما لاحظوا فيه من تكلف


(١) انظر فى الباخرزى كتاب الأنساب ٥٧ ب ومعجم الأدباء ١٣/ ٣٣ وابن خلكان ٣/ ٣٨٧ والنجوم الزاهرة ٥/ ٩٩ والسبكى ٥/ ٢٥٦ واللباب ١/ ٨٣ ومرآة الجنان ٣/ ٩٥ وشذرات الذهب ٣/ ٣٢٧ وبراون (ترجمة الشواربى) ص ٤٥١.
(٢) تخد: تسرع. تعوج: تميل

<<  <  ج: ص:  >  >>