عجب كثير من المستشرقين فى السرعة التى انتشر بها الإسلام فى الجزائر وغيرها من أقطار المغرب، إذ لم يمض نحو قرن أو بعبارة أدق لم يمض القرن الأول الهجرى، حتى أصبحت الأقطار المغربية أقطارا إسلامية، ومبعث العجب عندهم أن الفينيقيين ظلوا-وحدهم-فى البلاد أكثر من ستة قرون ولم يستطيعوا أن ينقلوهم إلى لغتهم وحضارتهم وديانتهم وعاداتهم، وخلفهم الرومان نحو ستة قرون أخرى وظل تأثيرهم لا يكاد يعدو مدن الساحل الشمالى، وحاولوا نشر المسيحية فى تلك المدن، ولم يعتنقها فيها من البربر إلا قليلون. ونزلتها بيزنطة وشعبها الإغريقى، وكان تأثيرهم فى المدن الشمالية محدودا. وظل البربر بعامة محافظين على دينهم الوثنى ولغتهم وعاداتهم، حتى إذا فتح العرب الجزائر وغيرها من بلاد المغرب أخذت جماهير البربر تعتنق الإسلام وتحاول النطق بلغته، وكان لذلك عاملان: عامل الإسلام نفسه وتعاليمه الدينية البسيطة وما فرضه على الفاتحين من العرب والمسلمين أن يعاملوا الأمم المفتوحة معاملة سمحة وأن يصبح للمسلمين منها أو بعبارة أدق من يسلمون منها كل ما للفاتحين من حقوق، فلا عبودية ولا استعمار ولا استنزاف لخيرات البلاد ولا استعباد لفرد فضلا عن شعب، فالجميع متساوون، وقد محيت بين المسلمين الجدد من البربر والفاتحين كل الفوارق الجنسية والاجتماعية. والعامل الثانى هو الفاتحون أنفسهم، إذ لم يكونوا يفتحون للغنائم والسلب والنهب، ولم تكن تلك أمنيتهم حينما خرجوا من ديارهم للفتوح فى الأقطار المغربية وغيرها، إنما كانت أمنيتهم أن ينتظموا فى جيوش المجاهدين فى سبيل الله ابتغاء نشر دينه الحنيف فى أرجاء الأرض.
كان الجندى فى الجيش العربى الفاتح بمجرد أن يضع قدمه فى بلدة جزائرية أو مغربية أو فى أى قبيلة جبلية أو صحراوية يحاول أن يدخل فى الدين الحنيف من يأنسون إليه من البربر، فيحفّظهم فاتحة الكتاب وبعض كلم العربية فى التخاطب. وأخذت الكتاتيب تنشأ