للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يهجوه بظلمه وعسفه واستباحة أموال الناس ودمائهم وتشتيته له ولأخوته وفرارهم منه إلى الجزائر، مع عقوق ضخم لأبيه ولعمه الحسين وابن عمه، بل لقد ظل يوقد الحرب حتى نصر الله الشاعر وعاد إلى صولجان حكمه. وحرى أن نتوقف الآن قليلا لنخصه ونخص تميم بن المعز بكلمة.

تميم (١) بن المعز الصنهاجى

كانت الدولة الصنهاجية تنسب نفسها وقبيلتها إلى حمير، وهو أثر من آثار التعرب الذى أحدثته الزحفة الهلالية فى قبائل البربر، إذ انتسب كل قبيلة إلى قبيلة عربية وخاصة القبائل العربية الجنوبية، وولد تميم لأبيه المعز بصيرة (المنصورية) سنة ٤٢٢ هـ‍/١٠٣١ م وعنى بتربيته وتثقيفه عناية واسعة، ولما بلغ سن الثالثة والعشرين فوّض إليه حكم المهدية، ولم تلبث الزحفة الهلالية أن قدمت إلى القيروان بدعوة من المعز لاستعانته بهم فى حرب أبناء عمه بنى حماد أصحاب القلعة المنسوية إليهم فى الجزائر، ونصحه تميم أن لا يفعل ذلك ولكنه لم يستمع إلى نصحه فقدموا القيروان والإقليم التونسى وخرّبوا كل ما نزلوا به، ولم يجد المعز بدا من أن يلجأ إلى تميم فى المهدية سنة ٤٤٩ وظل بها إلى أن توفى سنة ٤٥٤ وطالت إمارة تميم فيها وتمهّد سلطانه بها وظل ينازل بنى هلال مرارا إلى أن توفى سنة ٥٠١ عن تسع وسبعين سنة. وانتجعه شعراء الأندلس والمغرب والشام فأجزل لهم العطاء سوى من كان ينتجعه من شعراء الإقليم التونسى أمثال أبى الحسين بن خصيب وأبى عبد الله محمد بن على القفصى وأبى الحسن على بن محمد الحداد، وممن مدحه من شعراء أبيه ابن شرف وعبد الكريم بن فضال وابن رشيق ومرّ بنا مدحه له. وكان مع شاعريته الفذة ناقدا مجيدا للشعر، قال ابن الأبار: كان يعترض الشعراء وينتقد عليهم ألفاظهم، ويذكر أن شاعرا أنشده فى وقت هرج:

تثبّت لا يخامرك اضطراب ... إليك تمدّ أعينها الرّقاب

فقال له: أرأيتنى-ويحك-طرت خفّة ورميت بنفسى من علو هذا القصر قلقا واضطرابا، وسكّته ولم يسمع من قصيدته سوى هذا البيت. وروى له شعر كثير، من ذلك قوله يحمّس بعض القبائل لمنازلة الأعداء:

متى كانت دماؤكم تطلّ ... أما فيكم بثأر مستقلّ

أغانم ثم سالم إن فشلتم ... فما كانت أوائلكم تذلّ


(١) انظر فى ترجمة تميم الحلة السيراء ٢/ ٢١ وابن خلدون ٦/ ١٥٩ وابن خلكان ١/ ٣٠٤ وأعمال الأعلام ٣/ ٧٣ ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>