وهو يخاطب صاحبه وقد رأى ما عليه من بؤس قائلا: لا تلمنى ولا تتهمنى فإن عقلى كما عهدته لا يأتى ما يتّهم به، ولم الدهر على تقصيره فى حقى، فقد أخطأ فى ظلمى عمدا ولا أعذره فطالما ظلمنى وطالما نقصنى حقى وطوانى فى زواياه المظلمة التى طالما طوى فيها ناسا وأخفى أمما، ولكم أزعجنى بما يصب علىّ من انتقامه الشديد، ولكم وجّه إلىّ تهما ظالمة. ويتجه إلى قومه يريد أن يدفعهم إلى تلافى ما حدث لهم منشدا:
من لقومى؟ إنهم قد أهملوا ... ما بنى آباؤهم فانهدما
غلب اليأس عليهم إنهم ... ضعفوا رأيا فزلّوا قدما
يا بنى قومى أفيقوا إنكم ... ما خلقتم لتعيشوا غنما
ولقد يحزننى أنى أرى ... رأيكم مختلفا منقسما
فأفيقوا-يغفر الله لكم- ... واطلبوا العليا وجاروا الأمما
وهو يتساءل من ينبه قومى إنهم أهملوا ما شاده آباؤهم فانهدم، وغلب عليهم اليأس من تحقيق آمالهم، إذ ضعفوا رأيا فزلت بهم الأقدام، ويقول يا بنى قومى أفيقوا من غفلتكم فإنكم ما خلقتم لتعيشوا غنما تتحكم فيكم الأمم، وإنه لتحزننى فرقتكم وانقسامكم شيعا، فأفيقوا من هذا الهم الثقيل واتحدوا واطلبوا العلياء والمجد، وجاروا الأمم الناهضة فى حياتها العاملة النشيطة.
٣ -
شعراء التصوف
كان التصوف شائعا منتشرا فى العالم العربى منذ أن ظهرت طرق التصوف السنى فى القرن السادس الهجرى/الثانى عشر الميلادى، وأخذت تتكاثر تلك الطرق بعد ذلك، وكان طبيعيا أن يعم التصوف فى السودان منذ القرن العاشر الهجرى، إذ كثر فيه بناء الخلايا الخاصة بالصوفية وكثر دعاة التصوف وخاصة دعاة الطريقتين: القادرية التى أسسها ببغداد عبد القادر