عنى القطر التونسى-على مر الأزمنة بالزراعة، وقد أولاها الفينيقيون والقرطاجيون اهتماما كبيرا، إذ رأوها تنتج وفرة من حبوب وبقول متنوعة، وقد حملوا إليها من موطنهم شجرة الزيتون، وربما أيضا الكروم والتين واللوز، ويدل-فى وضوح-على اهتمامهم بالزراعة أن أقدم كتاب عالمى فيها وفى غرس الأشجار ألفه عالم قرطاجى يسمى ماجن Magon وأن الرومان نقلوا عن قرطاجة هذا الكنز الزراعى النفيس إلى لغتهم حين استولوا عليها سنة ١٤٦ قبل الميلاد، وعنوا-مثل القرطاجيين-بالزراعة وحفروا لها القنوات لجلب المياه، وأقاموا بها الصهاريج والخزانات والأحواض، مما لا تزال شواهده قائمة فى إفريقية التونسية.
وظل أهلها فى العهود الإسلامية يعنون بالزراعة، فهى معاشهم، ومنها قوتهم وزادهم. وقد عنى بها الأغالبة عناية كبيرة، ومما يدل على ذلك أنهم كوّنوا لرى الأراضى وجلب المياه وتخزينها فى الصهاريج وتوزيعها فى السقايات إدارة كبيرة، عيّنوا لها مشرفا سموه «صاحب المياه» واستغلوا فى ذلك كل ما خلّفه القرطاجيون والرومان والبيزنطيون فى البلاد مع ما أضافوه من قنوات ودواليب وأحواض وخزّانات جديدة، مما جعل البلاد التونسية تلقى فى حجورهم بكل ما تستطيع من طيبات الثمار، وتزدهر فيها الزراعة وغراسة الأشجار ازدهارا لعلهما لم يبلغاه فى عصر من العصور، وأخذت البلاد تعيش فى بلهنية من العيش، وأخذ الأغالبة يجنون منها أموالا طائلة، ساعدتهم مساعدة عظيمة فى بناء أسطولهم الذى فتحوا به صقلية ومالطة، كما ساعدتهم لا فى بناء قصر أو قصور فحسب، بل فى بناء مدينة هى العباسية ومدينة ثانية هى رقادة التى زارها أبو عبيد البكرى، فقال فى كتابه المسالك:«ليس بإفريقية أعدل هواء ولا أرق نسيما ولا أطيب تربة من مدينة رقادة، ويذكرون أن من دخلها لا يزال ضاحكا مستبشرا من غير سبب»: مدينتان كبيرتان بنتهما دولة الأغالبة التى أظلت البلاد التونسية قرنا من الزمان بفضل ما جنت من خيراتها. وإذا تركنا شمالى تونس إلى الداخل لقيتنا مدن فى السباسب والواحات كثيرا ما نوّه بها جغرافيو العرب ورحّالتهم لما بها من البساتين المثمرة والكروم والمشمش والتين
(١) راجع فى المعيشة المسالك لأبى عبيد البكرى ورحلة التجانى والبيان المغرب لابن عذارى وكتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان والمؤنس فى أخبار إفريقيا وتونس لابن أبى دينار وكتاب ورقات عن الحضارة العربية فى إفريقية التونسية للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب.