للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤ - شعراء المراثى]

نشط الرثاء طوال هذا العصر، فلم يمت سلطان ولا أمير ولا وزير ولا قائد إلا رثاه الشعراء، وخاصة إذا كان شخصا خطيرا له تاريخ مجيد أو أعمال مجيدة، وانضم إلى ذلك كرم فياض، على نحو ما هو معروف مثلا عن الصاحب بن عباد الذى كان غيثا مدرارا للشعر والشعراء، فأتوه من كل فجّ، حتى قيل إن من مدحوه بلغوا المئات، ونرى الثعالبى فى يتيمته يتوقف مرارا ليذكر لنا بعض الأشعار التى قيلت فى مديحه، وبالمثل الأخرى التى قيلت فى رثائه، من ذلك قول أبى سعيد الرستمى (١).

أبعد ابن عبّاد يهشّ إلى السّرى ... أخو أمل أو يستماح جواد

أبى الله إلا أن يموتا بموته ... فما لهما حتى المعاد معاد

وحمل تابوته من الرّىّ إلى أصفهان، ودفن فى محلة تعرف بباب دزيه، وتبارى الشعراء على قبره يرثونه، وتقدّم أبو منصور أحمد بن محمد اللّجيمىّ ينشد معبرا عنه بلقبه: «كافى الكفاة (٢)»:

ثوى الجود والكافى معا فى حفيرة ... ليأنس كلّ منهما بأخيه

هما اصطحبا حيّين ثم تعانقا ... ضجيعين فى قبر بباب دزيه

ومرّ بنا الحديث عن محمود الغزنوى وفتوحه فى إيران والهند وملازمته للجهاد ونشر الإسلام، وكان مثقفا وطلب-كما مر بنا-إلى بلاطه العلماء والأدباء، وأقبلوا عليه يصنّفون له كثيرا من الكتب فى فنون العلوم، وقصده الشعراء من جميع البلدان فى إيران، فكان يسبغ عليهم كثيرا من عطاياه، فلما توفى بكاه غير شاعر، وفى مقدمتهم أبو على الحسن بن محمد الدّامغانى، وفيه يقول (٣):

مضى الأفعوان الصّلّ والأسد الورد ... وتاج ملوك الأرض والفارس النّحد

ولم أدر أن الشمس يسترها ثرى ... ولا الفلك الأعلى يغيّبه لحد

وأحسّ الشعراء هذا الإحساس بالخسارة الكبيرة إزاء نظام الملك الوزير السلجوقى المشهور، الذى عمّ العلماء والشعراء ببرّه، وألّفت باسمه مصنفات كثيرة، وكان مجلسه


(١) اليتيمة ٣/ ٢٨٠
(٢) اليتيمة ٤/ ٤٠٩
(٣) تتمة اليتيمة ١/ ١٥٣ والأفعوان الصل: الذى لا تفيد معه الرقية، والورد: الفاتك

<<  <  ج: ص:  >  >>