أنحوكم ويردّ وجهى القهقرى ... سيرى، فسيرى مثل سير الكوكب
فالقصد نحو المشرق الأقصى له ... والسير رأى العين نحو المغرب
تالله ما صدق الوشاة بما حكوا ... أنى نسيت العهد عند تغّربى
والأبيات تحمل معانى وصورا دقيقة تصور شاعرية الأرجانى وأنه كان يعرف كيف يطرف بصوره ومعانيه، مما جعل القدماء يشيدون به، ومن معانيه الغريبة:
رثى لى وقد ساويته فى نحوله ... خيالى لمّا لم يكن لى راحم
فدلّس بى حتى طرقت مكانه ... وأوهمت إلفى أنه بى حالم
وبتنا ولم يشعر بنا الناس ليلة ... أنا ساهر فى جفنه وهو نائم
وهو بعد فى الخيال والتصوير إلى درجة مفرطة من الوهم، وكان مثل الطغرائى يشكو من الزمن ومن الناس، وقلما نجد شاعرا فى هذا العصر لا يشكو، ومن شكواه قوله:
ولما بلوت الناس أطلب عندهم ... أخا ثقة عند اعتراض الشدائد
تطلعت فى حالى رخاء وشدّة ... وناديت فى الأحياء هل من مساعد
فلم أر فيما ساءنى غير شامت ... ولم أر فيما سرّنى غير حاسد
تمتعتما يا ناظرىّ بنظرة ... وأوردتما قلبى أمرّ الموارد
أعينىّ كفّا عن فؤادى فإنه ... من البغى سعى اثنين فى قتل واحد
فحتى عيناه لا ترحمانه بما تدلعان فى قلبه من جحيم الفتنة بالجمال. وله رباعيات كثيرة غير أنه فيها شديد التكلف، وقد نظم فى مديح أنوشراون قصيدة تشتمل على ثمانين رباعية. ومن باب هذا التكلف أو التصنع عنده إظهار قدرته فى نظم بيت يقرأ طردا وعكسا مثل قوله:
أحبّ المرء ظاهره جميل ... لصاحبه وباطنه سليم
مودّته تدوم لكلّ هول ... وهل كلّ مودّته تدوم
فالبيت الثانى يقرأ عكسا من آخره إلى أوله كما يقرأ من أوله إلى آخره، ونجد عند الأرجانى أرجوزة يمكن أن تقرأ لا على قافيتين فحسب، بل على أربع قواف، وهى تدل على مقدرة لغوية أكثر منها على مقدرة فنية خالصة. ولعل فى كل ما أسلفنا ما يوضح شخصية الأرجانى الشعرية.