للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر من دواوين شعراء العرب قاطبة، بحيث أصبح الديوان معدّا لكى يستغله الباحثون فى كتابة ترجمة حياة المتنبى على نحو ما صنع بلا شيروطه حسين. وفى الشرح نظرات نقدية كثيرة، وخاصة فى الأبيات الغامضة التى يختلف فيها الشراح، فإن الواحدى يقارن بين أقوالهم وينفذ إلى الفكرة الصائبة دائما، مما يدل على قدرة نقدية حقيقية وذوق أدبى جيد.

[٤ - علوم التفسير والحديث والفقه والكلام]

نشط العلماء لهذا العصر بإيران فى تفسير القرآن الكريم، واتضحت فيه اتجاهات ثلاثة: اتجاه التفسير بالرأى، واتجاه شيعى، واتجاه صوفى، وأهم ما نصادفه من الاتجاه الأول تفسير الزمخشرى، وهو يذيع فيه أفكار مذهبه الاعتزالى فالآيات الكريمة توجّه مع فكرة الحرية والاختيار فى أفعال العباد ومع فكرة تنزيه الذات العلية عن كل تشبيه ومع إكبار العقل ورفض كل اعتقاد فى السحر والكهانة (١). ويقف الفخر الرازى المار ذكره آنفا بعده فى الصف المقابل فيدفع فى تفسيره العظيم للقرآن «مفاتيح الغيب» آراء المعتزلة بطريقة فلسفية، إذ كان عقله متفلسفا إلى أبعد حد، وهى فلسفة تظهر فى تفسيره بصور كثيرة، حين يخوض فى المباحث العقلية، وحين نرى المسألة عنده تتشعب شعبا كثيرة.

وكان عقله من الخصب بحيث تغدو الفكرة كأنها شجرة كبيرة، تتفرع منها فروع، وتتفرع من الفروع غصون إلى غير نهاية. وكان أشعرى العقيدة، فأشاع مذهب الأشاعرة فى تفسيره، وتعقب المعتزلة كما قلنا معليا عليهم وعلى أفكارهم مذهبه الأشعرى السّنّى. ومن تفاسير هذا الاتجاه بعد الرازى تفسير البيضاوى (٢) عبد الله بن عمر المتوفى بتبريز سنة ٦٩١ وقد سماه «أنوار التنزيل وأسرار التأويل» وهو يعتمد فيه على الزمخشرى وتفسيره، كما يعتمد على الرازى وغيره من المفسرين، وهو لا ينحى فى تفسيره باللائمة-كما يصنع الزمخشرى-على أهل السنة، وجاء بعده فى هذا الاتجاه أبو البركات النسفى (٣) المذكور بين فقهاء الأحناف فى قسم العراق وقد سمى تفسيره «مدارك التنزيل وحقائق التأويل».


(١) انظر فى تأثر الزمخشرى بالاعتزال فى تفسيره كتاب المذاهب الإسلامية فى تفسير القرآن لجولد تسيهر ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار.
(٢) راجع فى البيضاوى السبكى ٨/ ١٥٧ وبغية الوعاة وروضات الجنات ٤٥٤ وشذرات الذهب ٥/ ٣٩٢ ومرآة الجنان ٤/ ٢٢٠.
(٣) انظر فى النسفىّ الدرر الكامنة ٢/ ٣٥٢ وتاج التراجم رقم ٨٦ واللكنوى ١٠١ ودائرة المعارف الإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>