للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعوة بعض أصدقائه إلى الصّبوح:

شجر مدنف وجوّ عليل ... وصباح يميل كالنّشوان

صاح إن الزمان أقصر عمرا ... أن يراع المنى بصرف الزمان

رقّ عنى ملاحف الليل فانهض ... برقيق من صوب تلك الدّنان

كعصير الخدود فى يقق الأو ... جه أو كالدموع فى الأجفان (١)

ويبدو من هذه الخمرية ميله إلى الدقة فى التصوير، وأنه كان يحاول الإطراف بأخيلته، وأن يأتى بصور مبتكرة، على شاكلة قوله:

صكّ النسيم فراخ الغيث فانزعجت ... ينفضن أجنحة من عنبر الزّغب

ويقول الثعالبى: لو لم يقل إلا هذا البيت لكان أشعر الناس، وهو فيه يصور زغب الثلوج المتساقط كشعيرات الريش المتطايرة.

[٥ - شعراء الهجاء والفخر والشكوى]

ظل الشعراء يريشون سهام الهجاء فى هذا العصر كما كانوا يريشونها فى العصور السابقة، تارة يسدّدها بعضهم إلى صدور بعض، وتارة يسددونها إلى السلاطين والوزرا وعلية القوم، وقد تسدّد إلى أكثر هؤلاء جودا وكرما، لمجرد أنه تأخر فى جائزة شاعر، أو لأنه أعطى شاعرا جائزة دون جائزة شاعر آخر، أو لأنه أسخطه لأى سبب من الأسباب. ومرّ بنا أن الصاحب بن عباد وزير بنى بويه كان ينهال عليه المديح انهيالا لكثرة ما كان يغدقه على الشعراء، حتى يقال إنه وفد عليه منهم مئات، ومع ذلك كان لا يسلم من ألسنة بعضهم مثل أبى العلاء الأسدى، وكان كما يقول الثعالبى قديم الصحبة له، شديد الاختصاص به، ممتد الغرّة والتحجيل فى شعرائه وصنائعه وندمائه. وكان يودّه ويأنس به ويكاتبه نثرا ونظما. وإليه كتب: «أبا العلاء شيخى أين ذلك الميعاد؟ وأين تلك العهود سقتها العهاد (الأمطار). . وأين كتبك التى هى ألذ من انتهاء النفس إلى رجائها، وابتداء العين فى إغفائها». ويبدو أن أبا العلاء لم يرتض من الصاحب أمرا أو شيئا يوما، فأسرع يهجوه بقوله (٢):


(١) اليقق: شدة البياض.
(٢) اليتيمة ٣/ ٢٧٧

<<  <  ج: ص:  >  >>