للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا رأيت مسجّى فى مرقّعة ... يأوى المساجد حرّا ضرّه بادى

فاعلم بأن الفتى المسكين قد قذفت ... به الخطوب إلى لؤم ابن عبّاد

وهو يصفه باللؤم، ويصغّر من جوده الذى شاع عنه فى سخرية مرة. وانتقم للصاحب من أبى العلاء الأسدى زميل له من الشعراء يسمّى عبدان الأصبهانى جعله عرضة وهدفا لأهاجيه، ومن قوله فيه (١):

أبا العلاء اسكت ولا تؤذنا ... بشين هذا النسب البارد

وتدّعى فى أسد نسبة ... لا تثبت الدعوى بلا شاهد

أقم لنا والدة أوّلا ... وأنت فى حلّ من الوالد

وهى سخرية لاذعة. ومن كبار الهجائين فى أوائل العصر الشاعر المسمى أبا الحسن اللّحام، وفيه يقول الثعالبى: لم يسلم أحد من الكبراء والوزراء والرؤساء من هجائه إياه، وكان لا يهجو إلا الصدور، وفى مقدمتهم البلعمى وزير السامانيين وفيه يقول (٢):

وزارة البلعمىّ منقلبه ... وهو كقفل غدا على خربه

لم يرع للأولياء حرمتهم ... فيها ولا للوجوه والكتبه

فهو أحقّ الورى بداهية ... تضحى لها رأسه على خشبه

وهو يريد له أن يصلب ويصبح مثلة للناظرين، وكان عبدان آنف الذكر يستثيره كثيرا فما زال يفكر فى أن يورد عليه هجاء شديد الإيلام، وهداه طول تفكيره إلى قوله فيه (٣):

عبدان هامته للصّفع معتاده ... لا سيّما من أكفّ السادة القاده

كأنّ أيدى النّدامى فى تناولها ... أيدى صيام إلى كيزان برّاده

والبرّادة: إناء يبرّد الماء. وكان السخط على السلاطين والملوك يبلغ أحيانا عند بعض الشعراء حدّا يجعلهم يعمّونهم به غير مفرقين بين مصلح وفاسد، فإذا هم يهجونهم جميعا على شاكلة يوسف بن محمد الجلودى الرازى فى قوله (٤):

لا يصحبنّ ملوكنا إلا امرؤ ... لصّ مغنّ مفلس قوّاد

فله لديهم زلفة ومنالة ... ولمن تحرّج واستعفّ كساد

والبيتان يمسخان الملوك حينئذ مسخا. وكانوا كثيرا ما يهجون البلدان وأهلها، ويخيل إلى الإنسان أنهم لم يتركوا بلدة إلا سلّطوا عليها سهام هجائهم، وقد يتعرضون لصفة فى


(١) اليتيمة ٣/ ٢٩٨
(٢) اليتيمة ٤/ ١٠٨
(٣) اليتيمة ٤/ ١١٢
(٤) تتمة اليتيمة ١/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>