للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشخص ذميمة، فيهجونه بها، كصفة الحمق، ولابن حسول يهجو المتكبرين عليه (١):

دخلت على الشيخ فيمن دخل ... فغربل عصعصه وانتحل (٢)

وأظهر من نخوة الكبريا ... ء ما لم أقدّر وما لم أخل

فقلت له مؤثرا نصحه ... وقد يقبل النّصح ممن نخل

إذا كنت سيدنا سدتنا ... وإن كنت للخال فاذهب فخلّ

أخلّ بحقّ دهاة الرّجال ... فمازال يصفع حتى أخلّ

وهو يصور هذا الشيخ المتكبر المتعجرف، وقد دخل عليه فلم يقم له، وكأنما همّ أن يرفع نفسه وعصعصه أو مؤخرته، ثم تخلّى عن ذلك وتمكّن من مجلسه، فعرف أنه متكبر متعاظم، وهو ما لا يكاد يظنه، فحاول أن ينصحه نصيحة من نخل القول وعرف صوابه وخطأه، وتعرض له قائلا إن كنت سيدنا حقا سدتنا دون حاجة إلى كبرياء وإلا فخلّ عنك، غير أنه لم يستمع نصحه فمازال يصفع، حتى أصابه الخلل.

وكان الفخر فى هذا العصر يرافق الهجاء كما رافقه فى العصور السابقة، وقلما يحسن الشعر أمير أو وزير أو قائد إلا وهو يفتخر بنفسه، وفى كتاب اليتيمة فصل خاص بسلاطين بنى بويه، ونجد أشعارهم موزعة بين الفخر والغزل والخمر. ويلقانا فخر كثير للشعراء، وكثيرا ما يسوقون فخرا لهم بأشعارهم وجودتها وبلاغتها، من مثل قول على بن عبد العزيز الجرجانى الذى ترجمنا له بين شعراء المديح (٣):

ألا إننى أرمى بكلّ بديعة ... يبتن بألباب الرّجال لواعبا

تسير ولم ترحل، وتدنو وقد نأت ... وتكسب حفّاظ الرجال المراتبا

ترى الناس إما مستهاما بذكرها ... ولوعا وإما مستعيرا وغاصبا

فأشعاره كلها-فى رأيه-بدائع وطرائف، تنتشر فى الناس حتى أقاصى الأرض، لكثرة رواتها والمعجبين بها، ويتداولها الشعراء ويغيرون على معانيها المبتكرة. وكثر الفخر فى العصر عند العلماء بسعة المعرفة وغزارة المحصول والتعمق فى الأفكار والنفوذ إلى أغوارها البعيدة.

وشاعت مع الفخر الشكوى من الدهر ومن الناس، وهى شكوى قديمة، غير أنها اتسعت فى هذا العصر سعة شديدة، لما شاع فيه من كثرة البؤس والضنك فى حياة


(١) دمية القصر ١/ ٤١٥.
(٢) العصعص: نهاية العمود الفقارى، وغربلة العصعص: تمكنه فى الجلوس. انتحل: ادعى لنفسه ما ليس له.
(٣) اليتيمة ٤/ ٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>