للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم قضاء مبرما، وبالمثل قضى جيش المنصور على كل ما التقى به من جيوش السودانيين. ويهنئ المنصور بانتصار كماته وفرسانه، ويدعو له أن تدوم مثل هذه الفتوح العظيمة بما يوجه إليها من جيوشه الباسلة. وما يترك الهوزالى حادثة فى عهد المنصور إلا وينشده فيها قصيدة غرّاء، كما لا ينزل به مرض ويشفى منه إلا ويسارع بتهنئته، وهو بحق يعد شاعر المنصور السعدى فى عصره إلى وفاته سنة ١٠١٢ هـ‍/١٦٠٤ م.

أحمد (١) بن القاضى

هو أحمد بن محمد بن أبى العافية المشهور بابن القاضى، من بيت علم وأدب، ولد سنة ٩٦٠ للهجرة، وحفظ القرآن الكريم مثل لداته، وأكب على حلقات العلماء ببلدته فاس ينهل من حلقاتهم العلوم المختلفة من فقه ونحو ولغة وعروض وأدب وتاريخ وحساب وهندسة ومنطق وبلاغة، ولما بلغ السادسة والعشرين من عمره رحل إلى المشرق لأداء فريضة الحج ولقاء مشيخة العلوم والتلقى عن أئمتها، ونزل مصر وأقام بها فترة يأخذ عن علمائها ويحمل إجازاتهم، وعاد إلى المغرب ورجع إلى مستقره بفاس، ثم وفد على مراكش، وأثنى عليه للمنصور الذهبى عبد العزيز الفشتالى وغيره من حاشيته فألحقه بحضرته. وفى سنة ٩٩٤ عاودته فكرة الرحلة إلى المشرق لينشر به مآثر المنصور ومفاخره وفتوحه، واستأذنه فى ذلك فأذن له، ورأى أن يسلك طريق البحر المتوسط من تطوان، ولم يلبث أن اعترضه هو ومن معه قراصنة الإسبان فأسروهم، ونقلوه إلى مالطة وظل بها أسيرا نحو عام فى بلاء عظيم من الجوع والبرد والتكليف بما لا يطاق. وعلم بأسره المنصور». فكتب إلى حاكم تطوان كى يعمل على فدائه، وافتداه بمال كثير، وعاد إلى حضرة المنصور وهو يحمل له هذا الجميل العظيم، وأداه نبله إلى أن يكتب عنه كتابه: «المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور» وهو سيرة له رائعة، نشرت فى مجلدين بتحقيق الأستاذ محمد زرّوق ولم يكتف بذلك، فقد ألف لخزانته كتاب درة الحجال فى أسماء الرجال ذيل به على كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان حتى زمنه، وأيضا كتاب جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام بمدينة فاس. وقد استقصى الأستاذ زروق مؤلفاته فى مختلف العلوم والفنون وبدأها بمجموعة كتب التاريخ والتراجم وتلاها بمجموعة ثانية فى مؤلفاته فى الفقه ومجموعة ثالثة فى مؤلفاته فى الحساب والهندسة ومجموعة رابعة بمؤلفاته فى المنطق. وجعله بصره بالفقه يتولى القضاء ملازما حضرة المنصور طوال حكمه حتى سنة ١٠١٢ للهجرة، وتفرغ بعد ذلك للتدريس حتى وفاته سنة ١٠٢٥ هـ‍/١٦١٦ م وكما كان


(١) انظر فى ترجمة ابن القاضى وأشعاره روضة الآس للمقرى ص ٢٣٩ ونشر المثانى ١/ ٢١٣ وصفوة من انتشر ص ٧٧ ومناهل الصفا للفشتالى بتحقيق كنون وراجع المصادر الكثيرة التى ذكرها الأستاذ زروق فى دراسته له التى قدم بها تحقيقه للمنتقى وانظر الوافى بالأدب العربى فى المغرب الأقصى ٣/ ٧٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>