للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عالما بفنون كثيرة كان شاعرا، وخصّ المنصور الذهبى بكثير من شعره منذ أن كان فى الأسر، إذ أرسل إليه قصيدة حينئذ، يستعطفه بها لتخليصه من أسره، وفيها يقول:

بحق الذى أولاك ملكا فنجّنى ... من الهلك يا قصد الأسير المكبّل

وكن يا إمام العدل فى عون خائر ... أسير كسير ذى جناح مذلّل

ومنذ عاد ابن القاضى إلى حضرة المنصور الذهبى، وهو يلزمه ويقدم له مدائحه فى كل نصر لجيوشه وكل مناسبة. وكانت وقعة وادى المخازن لا تبرح ذاكرة البرتغاليين وكانوا لا يزالون يحتلون مدينة أصيلا على المحيط، وأحسوا أن المنصور يريد الاستيلاء عليها، فخشوا أن يواقعوه فيحدث لهم ما حدث فى وادى المخازن من تمزيقهم كل ممزق، قرءوا أن ينسحبوا منها ويتركوها للمنصور. ويهنئه ابن القاضى بهذا الفتح الذى أتاه دون أى حرب ودون أن يسلّ سيف وتراق الدماء، يقول:

يا أيها المنصور أبشر بالعلا ... الله بلّغ فى العدا المأمولا

أنضاكم سيفا لحتف عداته ... وبكم غدا سيف الرّدى مفلولا

وهزمتم الشرك المبين بعزمكم ... من غير ما سيف يرى مسلولا

وأذبتم كيد الخبيث مهابة ... وفتحتم آرامه آصيلا

وغدت من الناقوس صفرا بلقعا ... يتلى بها قرآننا ترتيلا

أبشر لواء الفتح معقود لكم ... واشكر إلهك بكرة وأصيلا

وهو يبشر المنصور بمعال لا تنتهى، فالله حافظه ويبلغه فى عداه كل ما يأمل من نصر وفتح، وقد منحكم سيفا لحتف الأعداء، وفلّ لكم سيف الردى والهلاك فهزمتم الشرك بعزمكم دون سيف سللتموه، وذاب كيد الخبيث الصليبى مهابة، ففتحتم عقر داره: أصيلا وأصبحت خلاء من ناقوس النصارى ترتّل فيها آى القرآن ترتيلا. ويفتح المنصور فتحه العظيم فى السودان سنة ٩٩٨ للهجرة، ويهنئه بهذا الفتح فى قصيدة طويلة، وفيها ينشد:

بشراك بالفتح المبين المتاح ... قطفته بين القنا والصّفاح

وليهنك النّصر الذى حزته ... دون الملوك فى مغانى الكفاح

واسعد فقد دانت ملوك الورى ... لما رأت فى الانقياد النجاح

والطاهر المنصور من هاشم ... واسطة العقد وبحر السماح

رجّت بلاد السود من جنده ... وافتتحت بالسيف أىّ افتتاح

فتح مبين هو تاريخه ... ينمو على الأرض مديد الجناح

لا زالت الأقطار تعنو لكم ... من سعدكم طول المدا تستباح

<<  <  ج: ص:  >  >>