للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكل قبيلة مستعدة دائما للحرب والجلاد والإغارة على من حولها من البدو والحضر، وهى دائما شاكية السلاح حتى تحمى حماها ومنازلها وآبارها ومراعيها، ولذلك كانت الشجاعة مثلهم الأعلى، فدائما يفتخرون ببطولتهم وبعدد من قتلوا فى حروبهم مما يدور فى أشعارهم ويدور معه اعتدادهم بسيوفهم اليمانية والهندية، ولبعضها أسماء اشتهرت بينهم، وكما يعتدون بسيوفهم نراهم يعتدون برماحهم وقسيّهم ودروعهم وتروسهم وبيضاتهم أو خوذاتهم، وأشاد فرسانهم بالخيل إشادة بالغة وسموها أسماء كثيرة.

[٥ - حروب وأيام مستمرة]

لعل أهم ما يميز حياة العرب فى الجاهلية أنها كانت حياة حربية تقوم على سفك الدماء حتى لكأنه أصبح سنّة من سننهم، فهم دائما قاتلون مقتولون، لا يفرغون من دم إلا إلى دم، ولذلك كان أكبر قانون عندهم يخضع له كبيرهم وصغيرهم هو قانون الأخذ بالثأر، فهو شريعتهم المقدسة، وهى شريعة تصطبغ عندهم بما يشبه الصبغة الدينية، إذ كانوا يحرّمون على أنفسهم الخمر والنساء والطيب حتى يثأروا من غرمائهم. ولم يكن لأى فرد من أفراد القبيلة حق ولا ما يشبه الحق فى نقض هذه الشريعة ولا فى الوقوف ضدها أو الخروج عليها، فما هى إلا أن يقتل أحد منهم، فإذا سيوف عشيرته مسلولة، وتتبعها العشائر الأخرى فى قبيلته، تؤازرها فى الأخذ بثأرها، ويتعدد القتل والثأر بينها وبين القبيلة المعادية، وتتوارثان الثارات حتى يتدخل من يصلح بينهما ويتحمل الديات والمغارم، ولم يكونوا يقبلونها إلا بعد تفاقم الأمر وإلا بعد أن تأتى الحرب على الحرث والنسل، أما قبل ذلك فكانوا يعدونها سبّة وعارا، وفى ذلك يقول عبد المعزّى الطائى (١):


(١) حماسة البحترى (طبع بيروت) ص ٢٨ وانظر ٢٩، ٣١ والمرزوفى على الحماسة ١/ ٢١٥ - ٢١٦ وراجع المفضليات، القصيدة رقم ٤٢ البيت ١٥ والأصمعيات القصيدة رقم ٤٤ البيت ١، ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>