للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - المجتمع (١)

رأينا-فيما مر بنا-كيف كان التكوين البشرى لسكان إيبيريا مزيجا معقدا من عناصر جنسية كثيرة إذ نزلها قديما قبائل من بلاد الغال فى الشمال، ثم نزلتها عناصر فينيقية ويونانية وقرطاجنية ورومانية وجرمانية، ونزلها كثيرون من اليهود ثم نزلها مع الفتح العرب والبربر. وجلب إليها حكام الدولة الأموية كثيرين من الصقالبة المنتمين إلى شرقى أوربا وفرنسا وألمانيا. ومن كل هذه العناصر تألف المجتمع الأندلسى مشتركة فى تكوينه القارات القديمة الثلاث: أوربا وإفريقيا وآسيا. ودخل كثير من أهل إيبيريا فى الإسلام وكانوا يسمّون: «مسالمة» وسمّى أبناؤهم باسم المولدين، وظل كثيرون على مسيحيتهم مع اصطناعهم لحياة المسلمين وعاداتهم وتعلم العربية والتكلم بها وسمّوا باسم المستعربين.

وأخذت تعمل عوامل فى المزج السريع بين المسلمين والمسيحيين، منها كثرة المصاهرة فقد تزوج كثيرون فى الجيش الفاتح من الإسبانيات. وظل ذلك فيما بعد، إذ كان كثيرون من العرب والبربر يؤثرون الإسبانيات الشقراوات، وكان البيت الأموى يكتظ بهن.

ومن تلك العوامل أيضا روح التسامح الدينى الذى بثّه الإسلام فى أتباعه فكان أهل الذمة من النصارى واليهود يعاملون بالحسنى معاملة كريمة. ومرت بنا فى غير هذا الموضع فتنة دينية لعهد عبد الرحمن الأوسط أثارها بعض قساوسة النصارى ورهبانهم، وسرعان


(١) انظر فى المجتمع الأندلسى مواضع مختلفة من المقتبس لابن حيان بأجزائه المنشورة والصلة لابن بشكوال والحلة السيراء والتكملة لابن الأبار والذخيرة لابن بسام وكتاب أحكام السوق ليحيى بن عمر (طبع تونس) وكذلك نشرة صحيفة المعهد المصرى بمدريد: المجلد الرابع، والتبيان: مذكرات الأمير عبد الله بن بلقين (طبع دار المعارف) ورسالة الحسبة لابن عبدون وصورة الأرض لابن حوقل ونقط العروس فى نوادر الأخبار لابن حزم نشر مجلة كلية الآداب بجامعة القاهرة العدد الثانى من المجلد الثالث عشر وتاريخ ابن خلدون ومقدمته وصفة الأندلس (من نزهة المشتاق) للإدريسى نشر دوزى ودى جويه (طبع ليدن) ونفح الطيب وكتاب ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التونسية ٢/ ١٨٥ حيث ينقل التيفاشى عن ابن سعيد نصّا مهما عن الموسيقى الأندلسية، وراجع تراث الإسلام: الجزء الأول طبعة القاهرة وانظر طبعته المتجددة فى الكويت وبحثا قيما عن المجتمع القرطبى للدكتور الطاهر مكى فى كتابه: «دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة» ص ١٥ وما بعدها وص ٢٤٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>