هو زين الدين عمر بن المظفر المعروف بابن الوردى، ولد فى المعرة بلدة أبى العلاء سنة ٦٨٩ وبها نشأ ودرس على شيوخها، ويقول ابن حجر فى الدرر: بل نشأ بحلب وهى حاضرة إقليم المعرة، وخاصة على قاضيها وفقيهها ومفتيها الشافعى شرف الدين البارزى. وتنقل فى بلاد الشام يأخذ عن شيوخها، وعرف فضله فى الفقه والفتوى، فولاه ابن الزّملكانى قاضى قضاة الشام قضاء حلب، وكان شاعرا. وله فى ابن الزملكانى مدائح كثيرة، اعترافا منه بصنيعه، ورأى ابن الزملكانى فيما بعد عزله عن حلب وتوليته قضاء منبج، فامتعض ابن الوردى لنفسه أن يعزل عن حلب ويولّى قضاء بلدة صغيرة من بلدان إقليمها، وعبثا حاول أن يسترضيه وأن يرده إلى حلب، فاعتزل القضاء وعاش للتأليف ونظم الشعر وصوغ النثر حتى توفى سنة ٧٤٩. وله مؤلفات علمية مختلفة شعرا ونثرا، فقد نظم كتاب الحاوى فى الفقه الشافعى فى منظومة بلغت أكثر من خمسة آلاف بيت، وله مصنفات لغوية ونحوية، منها شرح على ألفية ابن مالك وآخر على ألفية ابن معطى. وهو معدود فى شعراء القرن الثامن النابهين، ويقول ابن شاكر:«أجاد فى المنثور والمنظوم، فنظمه جيد إلى الغاية وفضله بلغ النهاية». وديوانه كبير وهو مطبوع فى الآستانة من قديم، وله بعض رباعيات وبعض موشحات، أنشد منهما السبكى فى ترجمته، وله خمس مقامات، ورسائل كثيرة منشورة مع ديوانه، وفى رأينا أن نثره أروع من شعره، ولذلك اخترنا أن نتحدث عن أبدع ما له من كتابات أدبية، ونقصد مقاماته.
وأولى المقامات فى الديوان المقامة الصوفية، ومنها يجرى ابن الوردى حوارا بين مواطن له من المعرة سافر إلى بيت المقدس وبين عشرة من الصوفية فى مقدمتهم شيخ كبير، وكانوا يتبادلون فيما بينهم أحاديث وكلمات صوفية رمزية، وأشركوا معهم فى الحديث هذا الوافد المعرى، وأخذ يسألهم عن أحوالهم ورموزهم وإشاراتهم وتقصير ثيابهم وعاداتهم والشيخ يجيب. وأحيانا ينتقد صوفية زمنه وأنهم لا يتبعون المنهج السديد لأسلافهم حتى ليقول: «إن المتصوفة اليوم أصحاب
(١) انظر فى ابن الوردى وترجمته طبقات الشافعية للسبكى ١٠/ ٣٧٣ والدرر الكامنة لابن حجر ٣/ ٢٧٢ وفوات الوفيات ٢/ ٢٢٩ والنجوم الزاهرة ١٠/ ٢٤٠ والبدر الطالع ١/ ٥١٤ والشذرات ٦/ ١٦١ وديوانه ومعه مقاماته ورسائله مطبوع فى الآستانة سنة ١٣٠٠ للهجرة.