البربر هم العنصر الأول الذى ملأ بقبائله وشعوبه وبطونه السواحل والسهول والتلال والجبال والهضاب من إقليم الجزائر، مثله فى ذلك مثل بقية أقاليم المغرب، واختلف المؤرخون طويلا فى نسب البربر من الأمم القديمة، فقيل إنهم أخلاط من اليمن فى آسيا، وقيل إنهم من لخم وجذام كانت منازلهم بفلسطين وأخرجهم منها بعض ملوك فارس، فلما وصلوا إلى مصر منعهم ملوكها من المقام بها، فعبروا النيل إلى ديار المغرب وانتشروا فى أرجائها، وقيل إنهم من ولد القبط المصريين، وقيل هم من ولد جالوت ولما قتل رحل بهم إفريقش من ساحل الشام إلى ديار المغرب وأسكنهم إفريقيا، وقيل هم قبائل شتى من حمير اليمنية ومضر العدنانية والقبط والعمالقة والكنعانيين، وقيل إنهم أبناء مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح، وكان مازيغ أخا لفلسطين، وبارح أبناؤه الشام إلى ديار المغرب فهم حاميون. ويعلق ابن خلدون على هذه الأقوال فى أنساب البربر وما يماثلها بقوله: إنها «أحاديث خرافة»، إذ مثل هذه الأمة (البربرية) المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانب الأرض لا تكون منتقلة من جانب آخر وقطر محصور، والبربر معروفون فى بلادهم وأقاليمهم متميزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام، فما الذى يحوجنا إلى التعلق بهذه الترهات فى شأن أوليتهم، ولا يحتاج إلى مثله فى كل جيل وأمة من العجم والعرب». ويذكر ابن خلدون أن من النسابين البربر من يزعم فى بعض قبائلهم وشعوبهم أنهم من حمير اليمنية مثل لواته وهوارة وزناتة، ثم يقول: الحق الذى شهدت به الرطانة والعجمة (فى ألسنة البربر) أنهم بمعزل عن العرب». وابن خلدون محق فى قوله إن ذلك كله خرافة وترهات ومزاعم باطلة، ولا حاجة-أى حاجة- للبربر به، إذ هم شعب عريق لا يقل عراقة عن العرب والمصريين والفرس والروم، عاشت
(١) انظر فى تلك العناصر الجزء السادس من تاريخ ابن خلدون ووصف إفريقيا للحسن الوزان والبيان المغرب لابن عذارى والاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للسلاوى وتاريخ المغرب الكبير لدبوز والجزء الأول من تاريخ المغرب لرشيد الناضورى وتاريخ المغرب فى القديم والحديث لمبارك الميلى وكتاب الجزائر لأحمد توفيق المدنى وكلمة الجزائر فى دائرة المعارف الإسلامية.