هو أبو حمزة عمارة بن أبى الحسن اليمنى، من أهل الجبال فى تهامة. من قرية يقال لها مرطان فى وادى وساع، وهو قحطانى مذحجى من سلالة الحكم بن سعد العشيرة. ولد فى سنة ٥١٥ فى أسرة تهتم بالعلم والثقافة، ولم تكد توافى سنة ٥٣١ حتى أرسله أبوه إلى زبيد فثقف فيها الفقه الشافعى، وقرئ عليه مدة، وله فى الفرائض مصنف مشهور فى اليمن. واتصل بآل نجاح حكام زبيد ووزرائهم، كما اتصل بآل زريع حكام عدن وبعلى بن مهدى الذى خلف آل نجاح على زبيد، وكان الأولون سنّيّين والثانون إسماعيليين والثالث كان خارجيا. حتى إذا كانت سنة ٥٤٩ توجه إلى حج بيت الله الحرام، وتعرف إلى أمير مكة قاسم بن هاشم بن فليتة الزيدى، وكلفه بحمل رسالة إلى الخليفة الفائز الفاطمى، فقدم القاهرة سنة ٥٥٠ واستقبله طلائع بن رزّيك وزير الفائز فى قاعة الذهب بقصر الخلافة، وأنشده عمارة ميمية طويلة يقول فى تضاعيفها:
قد رحت من كعبة البطحاء والحرم ... وفدا إلى كعبة المعروف والكرم
فهل درى البيت أنى بعد فرقته ... ما سرت من حرم إلا إلى حرم
ولم يكد يفرغ من إنشاد القصيدة حتى أفيضت عليه الخلع، وأغدق عليه طلائع خمسمائة دينار. وصنعت مثله سيدة القصر بنت الخليفة الحافظ. وتهاداه أمراء الدولة وموظفوها الكبار. وقفل راجعا إلى مكة، فإلى زبيد. وعاد إلى الحج سنة ٥٥١ فكلفه أمير مكة برسالة ثانية إلى الخليفة بمصر، فقدم إليها واستوطنها حتى آخر حياته. وبالغ طلائع وبنوه فى إكرامه، وله فيهم مدائح كثيرة. وقتل طلائع بعد قدومه الثانى بأربع سنوات سنة ٥٥٦. وحظى بعده بجوائز الوزيرين شاور وضرغام، وله فى شاور وطلائع مراث بديعة، وكان قريبا من نفس الكامل بن شاور قبل وزارة أبيه، فلما وزر أعرض عنه، فعاتبه عتابا رقيقا. وما زالت العطايا تسبغ عليه، حتى إذا ملك مصر السلطان صلاح الدين مدحه ومدح جماعة من بيته، وخاصة توران شاه الأيوبى، وله ميمية حرّضه فيها على أخذ اليمن أولها:
(١) انظر فى عمارة وترجمته وأشعاره الخريدة (قسم الشام) ٣/ ١٠١ وابن خلكان ٣/ ٤٣١ والروضتين ١/ ٢/٥٧٢ ومفرج الكروب ١/ ٢١٢، ٢٣٨ والسلوك للمقريزى ١/ ١/٥٣ والنجوم الزاهرة ٦/ ٧٠ والسلوك فى طبقات العلماء والملوك للجندى وتاريخ ثغر عدن لبامخرمة والشذرات ٤/ ٢٣٤ وتاريخ ابن الأثير ١١/ ٣٩٨ وصبح الأعشى ٣/ ٥٢٦ والانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق ص ٩٤ وكتابه النكت العصرية فى أخبار الوزراء المصرية، وذيل النكت وبه ديوانه.