البربر هم العنصر الأصيل الذى عاشت قبائله وبطونه وعشائره-منذ آماد سحيقه-فى المغرب وسواحله وسهوله وجباله وهضابه ووديانه من برقة إلى المحيط الأطلسى واختلف مؤرخو العرب ونسابة البربر فى الأصل الذى انحدروا منه اختلافات شتى استقصاها ابن خلدون فى الجزء السادس (١) من تاريخه، فقيل إنهم ساميون من ولد عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام، وقيل بل من ولد إبراهيم عليه السلام، وقيل هم ساميون حقا ولكنهم عرب يمنيون من ولد النعمان بن حمير بن سبأ، وقيل من لخم وجذام وقيل بل هم مضربون من ولد بر بن قيس بن عيلان، وقيل إنهم حاميون من مصراييم بن حام، وقيل: بل من مازيغ بن كنعان بن حام. وكما اختلف المؤرخون والنسابة فى أصلهم اختلفوا فى موطنهم الأصلى وهجرتهم منه، هل هو الجزيرة العربية أو اليمن أو الشام أو فلسطين، واختلفوا فيمن أخرجهم منه، قيل أخرجهم داود-بوحى نزل عليه-إلى ديار المغرب، وقيل خرجوا بعد قتل داود لجالوت فارّين إلى إفريقيا، وحاولوا النزول بمصر فمنعهم القبط فاتجهوا إلى برقة وما وراءها وانساحوا فى المغرب إلى المحيط، وقيل بل الذى أخرجهم من الشام إلى إفريقيا يوشع بن نون، وقبل: بل إفريقش أحد ملوك التبابعة اليمنيين، وقيل إنه ارتحل معهم فى هجرتهم إلى المغرب حيان يمنيان: كتامة وصنهاجة. ويعلق ابن خلدون على كل هذه الأقوال وما يماثلها بقوله (١): «إنها تكاد تكون من أحاديث الخرافة، إذ مثل هذه الأمة (الضخمة) المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانبا من الأرض لا تكون منتقلة من جانب آخر وقطر محصور (مثل الشام). والبربر معروفون فى بلادهم وأقاليمهم متميزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام فما الذى يحوجنا إلى التعلق بهذه الترهات فى شأن أوليتهم». وابن خلدون محق فى عدّ كل تلك الأقاويل من باب الخرافة سواء فى ارتحال البربر من الشام أو غيرها إلى ديار المغرب أو فى محاولة التعرف على الأصل الذى نشأت منه وتناسلت ذريتهم. والذى يؤكده المنطق والواقع أن البربر نشئوا بالمغرب وليسوا منقولين إليه من آسيا، وليسوا ساميين إنما هم إفريقيون حاميون مما جعل