ابن خلدون يقول:«والحق الذى لا ينبغى التعويل على غيره فى شأن البربر أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح. . وأن اسم أبيهم مازيغ بن كنعان». ويقول ابن خلدون إن إفريقش -فيما يقال-هو الذى سماهم بالبربر لما سمع رطانتهم واختلاط أصواتهم. وأولى من ذلك ما يقال من أن الكلمة ترجع إلى أصل لاتينى هو Barbarus وهو عند الرومان من لا يفهم كلامه، وربما وجدوا الكلمة على لسان المغاربة أنفسهم فأخذوها عنهم، إذ سموا بها أنفسهم وشعوبهم، أما القول بأن العرب هم الذين سموا بها الشعوب المغربية لعدم فهمهم لغتهم وأن من ذلك قولهم بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة فبعيد الاحتمال.
ويقول ابن خلدون إن شعوب البربر ترجع إلى مجموعتين ضخمتين هما شعوب البرانس وشعوب مادغيس الأبتر أو البتر، وتجمع شعوب البرانس عند النسابين عشرة شعوب أو قبائل كبرى هى مصمودة، وصنهاجة، وأوربة، وعجيسة، وكتامة، وإزداجة، وأوريغة، ولمطة، وهسكورة، وجزولة. والقبائل التى اشتهرت منها بسكنى المغرب الأقصى هى مصمودة وكانت تسكن أربع مناطق هى: حاحة-السوس-مراكش-جزولة، ومن بطونها غمارة وكانت تسكن منطقتى الريف والهبط وبرغواطة وكانت تسكن منطقتى تامسنة ودكالة. وصنهاجة، ويقال إنها ثلث البربر وموطنها المغرب الأقصى والصحراء وراءه إلى السودان الغربى، ومن بطونها لمتونة ومنها عشيرة يوسف بن تاشفين أمير المرابطين، ومن بطونها أيضا بنو مزغنة منشئو مدينة الجزائر. وشعوب لمطة وهسكورة وجزولة كانت مواطنها جميعا المغرب الأقصى، وكان للشعوب الأخرى بعض بطون فى المغرب مثل هوارة من أوريغة. أما شعوب البتر فأربعة: نفوسة فى طرابلس، وإداسة وتختلط بطونها بهوارة، وضريسة، ولوا. ومن البطون الكبرى لهذه الشعوب من سكان المغرب الأقصى ورفجومة بأوراس ومضغرة ويسكنون ما بين فاس وتلمسان، ومكناسة على نهر ملوية من سجلماسة إلى مصبّه، ومغراوة فى فاس وسجلماسة وهى فرع من زناتة وكانت تسكن المغرب الأوسط وشطرا من المغرب الأقصى ومن بطونها يفرن وواسين ومنها بنو مرين حكام المغرب الأقصى.
وظل البربر بعيدين عن الأمم القديمة لا يتصلون بهم أى اتصال حتى نزل بديارهم الفينيقيون فى القرن التاسع قبل الميلاد-وربما قبله أو بعده-وكانوا شعبا ملاحيّا يحترف التجارة، وأخذوا يبحثون فى سواحل البلاد المغربية عن مواضع صالحة لرسوّ سفنهم كى يتبادلوا السلع مع أهلها ونزلوا قرطاجة فى تونس، وأخذوا يبحثون عن مواطن أخرى على طول الساحل فى الجزائر ثم فى المغرب الأقصى على البحر المتوسط والمحيط وأنشئوا عليهما مدنا فينيقية هى مليلة على المتوسط وطنجة وأصيلا على المحيط، ولا بد أن أثّروا بحضارتهم الفينيقية فى تلك المدن وأنحائها المختلفة فى أثناء القرون المتصلة التى خالطوا فيها السكان المغاربة، ولا بد أن عرف المغاربة كثيرا من طرقهم فى الزراعة والصناعة وخاصة فى التعدين، كما عرفوا أبجديتهم ولغتهم