للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثّانى

الثقافة

[١ - الحركة العلمية]

ظلت الحركة العلمية ناشطة وخاصة فى أوائل العصر وقبل الغزو التتارى، فكانت هناك الكتاتيب للصّبية يتعلمون فيها القراءة وشيئا من القرآن الكريم والشعر والحساب، وكان الصبى لا يبلغ التاسعة إلا وقد حفظ القرآن واستظهر بعض مقامات بديع الزمان الهمذانى، وحلت محلها منذ أوائل القرن الخامس مقامات الحريرى. وكان يستظهر أيضا بعض قصائد الشعراء المشهورين وخاصة أبا تمام والبحترى والمتنبى. وكان الناشئة يتحولون من الكتاتيب إلى المساجد، حيث حلقات العلماء من القراء والمفسرين والمحدّثين والفقهاء والمتكلمين واللغويين والنحويين والمؤرخين ومن يشدون بعض علوم الأوائل، فكانت المساجد فى بغداد تحل محل التعليم الثانوى والجامعات فى عصرنا، وبالمثل فى البصرة والموصل وغيرهما من بلدان العراق. وكان الأستاذ عادة يستند فى المسجد إلى أسطوانة، ويقعد الطلاب من حوله، وقد يجلس على مقعد عال والطلاب يستديرون حوله. وكان يملى على الطلاب محاضراته، وهم يكتبون، وإذا تكاثروا اتخذ مستمليا يردّد كلامه حتى تسمعه الصفوف الخلفية. وكان المؤلف أو المحاضر يعيد أحيانا ما ألّفه على طلابه، وهم يعارضون نسخهم على قراءته. وقد يعنّ له أن يدخل فى القراءة الثانية شيئا من التصحيح أو التهذيب على ما صنّفه، فكان الطلاب يدخلونه على نسخهم، ومن خير ما يصور ذلك ما يروى عن عالم لغوى يسمى أبا عمر المطرّز من أنه أملى كتابه الياقوت فى اللغة على الطلاب بمسجد المنصور ببغداد سنة ٣٢٦ ثم عاد فقرأه على طلابه مضيفا بعض التصحيحات والزيادات. وعاد مرة ثانية، فأدخل عليه زيادات وتصحيحات جديدة، واعتمد العرضة الأخيرة للكتاب سنة ٣٣١ - وبها نشره تلاميذه (١). وكان جامع


(١) الفهرست لابن النديم (طبع القاهرة) ص ١١٩ وراجع إنباه الرواة ٣/ ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>