للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنصور ببغداد يشبه جامعة كبيرة، وكان كل أستاذ نابغ يتمنى أن تكون له فيه حلقة، ويصوّر ذلك من بعض الوجوه ما يروى عن الخطيب البغدادى حافظ بغداد-المتوفى سنة ٤٦٣ - من أنه حين حجّ شرب من ماء زمزم ثلاث مرات، وسأل الله ثلاث حاجات: الأولى أن يحدّث بكتابه «تاريخ بغداد» والثانية أن يملى على الطلاب بجامع المنصور، والثالثة أن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافى. وتحققت له الأمنيات الثلاث (١). وكان الأساتذة والشيوخ فى المساجد أحيانا لا يملون مؤلفات لهم، بل يشرحون بعض كتب مشهورة للطلاب وقد يعمدون إلى إملاء شروح لهم على بعض المختصرات. واتسع ذلك منذ القرن السابع الهجرى بحيث نستطيع أن نسمى القرون التالية فى العصر قرون الشروح، وقد نشرح الشروح بما يسمى حاشية، وقد توضع على الحواشى ملاحظات تسمّى تقارير.

وأخذت تظهر منذ أواخر القرن الرابع الهجرى بجانب المساجد دور العلم، عادة يكون فيها مقاعد للطلاب، وقد يحاضرهم العلماء، وتلحق بها مكتبات ضخمة على نحو ما يحدثنا المؤرخون عن دار للعلم، أسسها الوزير سابوربن أردشير فى سنة ٣٨٣ للهجرة بالكرخ غربى بغداد، ووقفها على العلماء واشترى لها كتبا كثيرة، بلغت عشرة آلاف وأربعمائة مجلد كان معظمها بخط أصحابها أو من الكتب الموثّقة التى كان يملكها علماء وثقات مشهورون، وكان بها مائة مصحف نفيس (٢). وأسس الشريف الرضى الشاعر المشهور نقيب العلويين المتوفى ببغداد سنة ٤٠٦ دارا للعلم فتحها للطلاب ورصد لهم جميع ما يحتاجون إليه (٣)

وحين خلفت الدولة السلجوقية دولة بنى بويه وأصبح الوزير نظام الملك مدبّر لحكم فى زمن ألب أرسلان السلجوقى عنى ببناء طائفة من المدارس فى بلدان مختلفة فى العراق وإيران، لمحاربة النحلة الإسماعيلية ونشر مذهب الشافعى فى الفقه ومذهب الأشعرى فى علم الكلام، وكان منها ثلاث بناها فى بغداد والموصل والبصرة (٤) وقف عليها أوقافا كثيرة، وبنى فيها للأساتذة مساكن، وجعل لهم رواتب ثابتة، كما جعل لطلابها نفقات معيشة، وألحق بها مكتبات نفيسة. وكان فى هذه المدارس أساتذة مختلفون يحاضرون-بجانب


(١) طبقات الشافعية للسبكى (الطبعة الثانية بتحقيق عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحى) ٤/ ٣٥.
(٢) المنتظم وابن الأثير والنجوم الزاهرة فى حوادث سنة ٣٨٣ وأشار أبو العلاء إلى هذه الدار فى قصيدة مشهورة له وانظر شروح سقط الزند ص ١٢٣٩.
(٣) ديوان الشريف الرضى طبعة سنة ١٣٠٧ ببيروت ص ٣.
(٤) طبقات الشافعية للسبكى ٤/ ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>