ولد لأبيه يزيد بن عبد الملك فى سنة ٨٨ للهجرة، فتفتحت عينه على النعيم والترف، بل على اللهو والمجون، إذ كان أبوه كلفا بالخمر والغناء، حتى فى خلافته. إذ كان يستقدم مغنىّ مكة والمدينة ومغنياتهما، واشترى سلاّمة القس وحبابة، وانصرف عن شئون الدولة إليهما وإلى الغناء والطرب والقصف. وقد نشأ ابنه الوليد على مثاله، بل لقد أخذ يسرف فى المجون واللهو إسرافا شديدا، حتى فكر هشام بن عبد الملك الذى خلف أباه أن يصرف ولاية العهد عنه لفساد خلقه، ولكنه توفّى سنة ١٢٥ قبل أن يحقق فكرته. واستوى الوليد على عرش الخلافة. فإذا هو يحوّل قصره ببادية شرقى الأردن مقصفا كبيرا للخمر والعزف والغناء، إذ لم يترك مغنيا فى مكة والمدينة دون أن يستقدمه، وأخذ يعبّ من كئوس المجون عبّا، جعل أهله يتنكرون له، ويقتله ابن عمه يزيد بن الوليد فى جمادى الآخرة سنة ١٢٦ تؤازره اليمانية ثأرا لخالد القسرى وما كان من تعذيبه له وقتله.
وعلى هذا النحو يذهب ضحية مجونه، ومما لا شك فيه أنه كان ماجنا يعكف على الخمر والغناء، ويعيش للهو والصيد والقنص، حتى بعد خلافته، فقد ظل فى نفس الجو الماجن، الذى كان يتنفسه قبل اعتلائه عرش الخلافة، ومن ثم آثر قصره ببادية شرقى الأردن على دمشق مستقر الخلافة الأموية، ومضى يجلب إليه المغنين والمغنيات وآلات اللهو والطرب لا من الحجاز فقط. بل أيضا من خراسان، فقد أسلفنا فى غير هذا الموضع أنه كلّف نصر بن سيار أن يبعث إليه بما فى ولايته الخراسانية من الخيل والبراذين الفارهة وآلات الصيد، ومن أباريق الذهب والفضة وتماثيل السباع والظباء، ومن البرابط والطنابير والوصيفات والصنّاجات، فجمع له نصر من ذلك أشياء
(١) انظر فى ترجمة الوليد أغانى (دار الكتب) ٧/ ١ وما بعدها والطبرى فى سنتى ١٢٥ و ١٢٦ وكتابنا التطور والتجديد فى الشعر الأموى ص ٣١٨ وحديث الأربعاء ١/ ١٦٩ وقد نشر ديوانه فى مطبوعات المجمع العلمى العربى بدمشق.