وهو يقول إن مثله مثل شعراء الصوفية يذكر أماكن المحبوبات التى يذكرها أصحاب الغزل العذرى، وهى فى واقع الأمر منازل وأماكن ليس لها معنى عند الصوفية إلا معنى التواجد والشوق للمحبوب، ويقول إنه إنما يذكر سكان العذيب تسترا وتواجدا وليس ذكرهم من شأنه، وإنما هو إعلان لحبه وهيامه بربه، وإنه ليحل هواه فى قلبه حتى ليصبح هو الحب كله، وإنه ليذكره دائما فى خاطره وعلى لسانه، وإنه لحبيب لا أرى غيره فى الوجود إذا نظرت من حولى، ومع أنى لا أراه يرانى، ومن فضله علىّ هيامى به وتولهى، ومن كرمه ما أشتكى منه فى حبه وأعانى. ويشعر فى هيامه كأنما يطير إلى ربه طيرانا، وكأنه براه أو خلقه ربه لحبه، وهو حب صوفى سنى وليس فيه أى أثر للنزعة الفلسفية عند المتصوفة.
٥ -
شعراء المدائح النبوية
يشغف المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومنذ أرسل وبعث وهو مهوى أفئدتهم، يمدحونه ويتغنون بمحبته ومناقبه ومعجزاته، ويتوسلون به إلى ربهم ويتشفعون مؤمنين بأنه المثل الكامل فى الورع والنسك والعمل بتعاليم رسالته. وإذا كان قد تغنى بمديحه أفراد فى حياته، فإن الأقاليم الإسلامية تغنت به وبسيرته وبشمائله فى كل بلد وكل عصر. والمغرب الأقصى مثله مثل الأقاليم العربية جميعا أكثر من التغنى بمديحه ورسالته منذ عصر المرابطين الذى أخذ فيه الشعر المغربى يزدهر ويتكاثر ويشترك فيه كثيرون، على نحو ما يلقانا فى أرجوزة تشتمل على نحو سبعة آلاف بيت لمحمد بن عيسى بن المناصف القرطبى الأصل المتوفى بمراكش سنة ٦٢٠. ومن أوائل من نجده شغوفا بالسيرة النبوية الكريمة وبفضائل رسول الله القاضى عياض وكتابه «الشفاء» فى السيرة النبوية العطرة مشهور. وله فى زيارة الرسول صلّى الله عليه وسلم (١):