للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن (١) أبى حديدة

هو أبو العباس أحمد بن القاسم اللخمى، أحد الكتاب النابهين فى الدولة الصنهاجية وظل يعمل فيها بديوان الرسائل بجانب ابن رشيق وابن شرف إلى أن توفى حوالى سنة ٤٥٠ هـ‍/١٠٥٨ م ويبدو أن منشأه ومرباه فى القيروان، ويقول فيه ابن رشيق: «شاعر فكه الشعر رائق التشبيه مولع به قليل التكلف قوى المنهج والظرف، ممن رفض الم والهجاء، وكان يخبر التصنيع خبرة جيدة ولا يركبه إلا فى الأماكن التى تصلح له كما شرط حذاق المتقدمين، وله بديهة مرضية. وله فى وصف سحاب:

يا ربّ متأقة تنوء بثقلها ... تسقى البلاد بوابل غيداق (٢)

مرّت فويق الأرض تسحب ذيلها ... والريح تحملها على الأعناق

ودنت فكاد التّرب ينهض نحوها ... كنهوض مشتاق إلى مشتاق

فكأنما جاءت تقبّل تربها ... أو حاولت منه لذيذ عناق

وهو يقول: رب سحابة ملآنة مطرا تنوء بثقلها منه تسقى البلاد منه بوابل غزير، ويتخيلها كأنها امرأة جميلة تمر على الأرض تسحب ذيلها من المطر المتدفق والريح يحملها على الأعناق إجلالا لها، ويقول إنها دنت من الأرض فنهض الترب لها نهوض مشتاق إلى مشتاق، وكأنما جاءت محمولة على الريح لتقبّل تربها، بل لكأنما تحاول منه عناق محب لمحبوبة غابت عنه طويلا. وله فى النجوم:

ولقد حمى عن مقلتىّ كراهما ... ورق لهنّ على الأراك حنين

فى ليلة لبس الحداد هواؤها ... فكأنما هو راهب محزون

قد رصّعت زهر النجوم سماءها ... فكأنما هى لؤلؤ موضون (٣)

وكأنها خلل الظلام روانيا ... أحداق روم ما لهنّ جفون (٤)

وكأنما الفلك المدار على الدّجى ... بحر أحاط بها وهنّ سفين

وهو يقول إن حنين حمامات على الأراك ملتاعة نحّى النوم عن عينيه فى ليلة لبس الهواء فيها ثياب الحداد فى دجاها فكأنما هو راهب محزون أشد الحزن، وقد رصّعت النجوم المضيئة


(١) انظر فى ابن أبى حديدة الأنموذج ص ٧١ والمجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١٤١.
(٢) متأقة: ممتلئة. غيداق: كثير.
(٣) موضون: متراكم.
(٤) روانيا: ناظرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>