للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنوات طوال، مثيرا فيهم الحماسة والحمية لمنازلة خصومهم. ويبدو أن شعرا حماسيا كثيرا لسعيد نظمه فى تلك الحروب سقط من يد الزمن، من ذلك قصيدة دالية لم يبق منها إلا هذا البيت:

وما كان إلا ساعة ثم غودروا ... كمثل حصيد فوق ظهر صعيد (١)

وله مرثية فى بطل وربما رثى بها سوار بن حمدون أو بعض أصحابه من الفرسان ممن لقوا حنفهم فى تلك الحروب، وله أيضا بعض أشعار غزلية، ويقول ابن الأبار إنه يشوبها بشجاعته على شاكلة أبى دلف قائد المأمون فى غزلياته. وله فى جارية تسمى جيجان سمعها بقرطبة تغنى للأمير عبد الله فى إمارة أبيه محمد، فهام بها دهرا دون أن يراها وفيها يقول:

سمعى أبى أن يكون الروح فى بدنى ... فاعتاض قلبى منه لوعة الحزن

أعطيت جيجان روحى عن تذكرها ... هذا ولم أرها يوما ولم تزنى

فقل لجيجان يا سؤلى ويا أملى ... استوص خيرا بروح زال عن بدن (٢)

كأننى واسمها والدمع منسكب ... من مقلتى راهب صلّى إلى وثن

ومن عجب أن قتل هذا الفارس البطل غيلة بأيدى بعض أصحابه فى شهر ذى القعدة من سنة ٢٨٤.

عبد الملك (٣) بن هذيل

هو أبو مروان عبد الملك بن هذيل، كان أبوه هذيل بن خلف بن رزين من أكابر جند البربر، وفى أول الفتنة بقرطبة سمت نفسه إلى اقتطاع كورة السهلة بين طليطلة وسرقسطة، وتم له ذلك بالاتفاق مع أمراء البلدتين بحسن سياسته وتدبيره. ومرّ بنا أنه أول من أفرط من ثمن القينات من أمراء الطوائف وأنه اشترى قينة بثلاثة آلاف دينار كانت أديبة تحسن الغناء مع معرفة بالطب والتشريح وعلم الطبيعة واللعب بالسيوف والخناجر المرهفة، وابتاع لها هذيل قينات مغنيات مشهورات بالتجويد فكانت ستارته أرفع ستائر أمراء الطوائف. والستارة عندهم تعنى المسرح الذى كانت تغنى وترقص عليه


(١) الحصيد: الزرع المحصود أو المقطوع. الصعيد: وجه الأرض
(٢) حذف الباء فى «استوص» فى خطاب جيجان لضرورة الوزن.
(٣) انظر فى عبد الملك بن هذيل وشعره القلائد ٥١ والخريدة ٣/ ١٠٩ وما بعدها والحلة السيراء ٢/ ١٠٨ والمغرب ٢/ ٤٢٨ وأعمال الأعلام ٢٣٨ والبيان المغرب لابن عذارى ٣/ ٣٠٩ والمطرب ص ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>