القينات مع العود وغيره من آلات الطرب. وفى هذه البيئة نشأ عبد الملك نشأة فيها كثير من اللهو والعناية بالشعر، فكان طبيعيا أن تتفتح فيها ملكته. وتوفى أبوه سنة ٤٣٦ فخلفه على السهلة، ويقول الفتح بن خاقان إنه كان غيثا فى النّدى، وليثا فى العدا» بينما يقول ابن الأبار إنه «كان-مع شرفه وأدبه-متعسفا على الشعراء، متعسرا بمطلوبهم من ميسور العطاء» ويقول ابن بسام: «كان له طبع يدعوه فيجيبه، ويرمى ثغرة الصواب عن قوسه فيصيبه». وظل على إمارة السهلة حتى تغلب على ما بيده ابن تاشفين وتوفى سنة ٤٩٦ وكانت له نجدة وفيه شجاعة، وكان يختلط بجنده ويتحبب إليهم حتى إنه كان لا يمتاز منهم فى مركب ولا ملبس. وله وقائع مع النصارى مشهورة، وربما كانت مطالب هذه الوقائع من أموال للسلاح وإعداد هى التى اضطرته إلى عدم الاتساع فى النوال على الشعراء لا عن شحّ وبخل، ولكن عن حاجة للأموال واضطرار، وقد تدل على ذلك دعوته للجود فى بعض شعره قائلا:
اهدم بناء البخل وارفض له ... من هدم البخل بنى مجده
لا عاش إلا جائعا نائعا ... من عاش فى أمواله وحده
وهو يدعو على البخيل الشحيح الذى يقيض يده عن العطاء للناس ولا يشركهم فى أمواله أن يعيش جائعا نائعا أو ظامئا وبعبارة أخرى فقيرا بائسا. وكان موقفه كريما من ابن طاهر حين سلبه ابن عمار مرسية-كما مرّ بنا-فقد كتب إليه يسأله أن ينزل عنده وأن يقاسمه خاصّ ضياعه وأملاكه، وإن شقّ عليه ذلك لبعد السهلة وبرد هوائها فإنه يهبه بلدة من بلدانها الجنوبية، هى شنتمرية ويقف طاعتها عليه وتصريف أمورها بيديه، ومن قوله مفاخرا:
شأوت آل رزين غير محتفل ... وهم-على ما علمتم-أفضل الأمم
قوم إذا سئلوا أغنوا وإن حربوا ... أفنوا وإن سوبقوا جازوا مدى الكرم (١)
جادوا فما يتعاطى جود أنملهم ... مدّ البحار ولا هطّالة الدّيم
وما ارتقيت إلى العليا بلا سبب ... هيهات هل أحد يسعى بلا قدم
فمن يرم جاهدا إدراك منزلتى ... فليحكنى فى النّدى والسّيف والقلم
ومبالغة منه مسرفة أن يقول عن أسرته من آل رزين إنها أفضل الأمم، وهو يصفهم-