للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم يأسا لا يداخله أى رجاء، يأسا لا أمل معه فى وفاء ولا ما يشبه الوفاء، فقد طالت تجربته وطال اختباره ورجع دائما خائبا بل رجع شاعرا بمرارة، لرؤيته الصديق وقد تلوّن ألوانا كألوان الحرباء، إذ تتلون فى ساعات النهار ألوانا مختلفة. فاتخذ منها مثلا لتلونه. ونقف قليلا بإزاء نفر من شعراء الشكوى والرثاء.

ابن سنان (١) الخفاجى

هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجى الحلبى تلميذ أبى العلاء المعرى، وكان يتشيح وأنشدنا له فى حديثنا عن شعراء التشيع شعرا شيعيا، ولا نعرف تاريخ ميلاده. ويبدو أنه أحب خوض معمعان السياسة إذ نراه فى حاشية محمود بن نصر بن صالح حين صار إليه أمر حلب سنة ٤٥٢ وقد بعث به رسولا إلى صاحب القسطنطينية ملك الروم يستنجد به على عمه عطية بن صالح، وظل عندهم مدة وكتب إلى أهل حلب قصيدته المعروفة:

هذا كتابى عن كمال سلامة ... عندى وحال شرحها فى الجملة

همّ وإقتار وعمر ذاهب ... وفراق أوطان وبعد أحبّة

وعاد إلى حلب فى عهد أميرها ثمال بن صالح سنة ٤٥٣ ولم يلبث أن توفى وخلفه أخوه عطية واستولى عليها منه ابن أخيه محمود بن نصر سنة ٤٥٤ ورأى أن يولى فى كل قلعة من قلاع إمارته حلبيا بحيث تكون ذريته وأبناؤه تحت يده. وطلب من وزيره ابن أبى الثريا أن يختار له من يوليه «عزاز» فقال: لا أجد لذلك إلا أبا محمد بن سنان الخفاجى وكان أبو نصر بن النحاس حاضرا فصوّب الرأى فيه، فأحضره محمود، وولاه قلعة عزاز بعد أن امتنع، وأخيرا أجاب. وبعد سنوات خشيه ابن سنان على نفسه واستوحش منه، فاستدعاه محمود مرارا إلى حلب وابن سنان يتعلل عليه ولا يحضر، وكان أبو نصر بن النحاس صديقه فكان يكتب إليه يحذره. ومع ذلك اضطر-بأمر محمود-أن يحمل إليه طعاما مسموما وكان ذلك سبب موت ابن سنان سنة ٤٦٦ ويقال إنه لما أحسّ بالموت أنشد.

خف من أمنت ولا تركن إلى أحد ... فما نصحتك إلا بعد تجريب


(١) انظر فى ابن سنان الخفاجى وشعره زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن العديم، الجزءين الأول والثانى (انظر الفهرس) وفوات الوفيات ١/ ٤٨٩ والنجوم الزاهرة ٥/ ٩٦ وكتابنا البلاغة: تطور وتاريخ (طبع دار المعارف) ص ١٥٢. وديوانه مطبوع بالمطبعة الأنسية ببيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>