تحدثنا فى الفصل الأول عن تعقد الدواوين فى هذا العصر وتنوعها، فدواوين للخراج ودواوين للنفقات ودواوين للجيش ودواوين للحروب ودواوين للرسائل ودواوين للخاتم ودواوين لشرقىّ الدولة ودواوين لغربيها. ولكل ولاية ديوان. وفوق هذه الدواوين ما يسمّى ديوان الزمام الذى ينظر فى ضبط كل ديوان على حدة.
وبجانب هذه الدواوين العامة فى بغداد دواوين فى الولايات للخراج والرسائل ودواوين أخرى لأولياء العهد وللأمراء وللوزراء وكبار القواد. ومن لم يتخذ من هؤلاء ديوانا كبيرا كان له كاتب يكتب عنه وينظر فى تدبير أمواله ونفقاته وضياعه. وحتى نساء الخلفاء كن يتخذن الكتاب، وكذلك كان يتخذهم بعض القضاة والعلماء للكتابة عنهم.
وبذلك نشطت الكتابة فى هذا العصر نشاطا واسعا، فقد توفر عليها مئات من أصحاب الأقلام يحدوهم فى ذلك ما كانت تدرّه عليهم من أرزاق واسعة.
وكان من يظهر منهم مهارة فى دواوين الخلافة سرعان ما يرقى إلى رياسة الديوان الذى يعمل فيه. وقد تقبل عليه الدنيا فيصبح رئيسا لمجموعة من الدواوين، وقد يصبح وزيرا للخليفة يسوس الدولة ويدبر أمورها وشئونها، فإن لم يصبح وزيرا.
أصبح واليا لإقليم من الأقاليم مثل الحسن بن البحباح البلخى الذى كتب للمهدى والهادى والبرامكة وقد ولى مصر فى عصر الهادى والأمين. ومثل الحسن بن رجاء كاتب المأمون الذى ولى فارس ومثل عمر بن مهران كاتب الخيزران أم الرشيد وقد ولاه مصر فى بعض السنين. وكثير من الولاة والقواد كانوا يحسنون الكتابة إلى أبعد غاية مثل جعفر بن محمد بن الأشعث والى خراسان للرشيد ومثل طاهر بن الحسين قائد المأمون وواليه على خراسان وابنه عبد الله بن طاهر والى مصر والشام والجزيرة ثم والى خراسان ومثل أبى دلف العجلى قائد المأمون المشهور.
وعلى هذا النحو كانت الكتابة فى هذا العصر الجسر الذى يصل الشخص إلى أرفع المناصب، وكان من يتقنها من الوزراء والقواد والولاة يلقى الإكبار