للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونفى الجاحظ (١) وابن سلام (٢) أن يكون النابغة قد قال هذا الشعر، وكأنهما أحسّا ما أحسه طه حسين إزاء الأبيات السالفة وأنها خليقة بأن تكون مصنوعة.

ومثلها فى المعلقة الأبيات التالية التى تصوّر فطنة اليمامة وعدّها الدقيق لحمام طائر فى مضيق من الهواء يجعله يشتد فى طيرانه ويسرع إسراعا:

احكم كحكم فتاة الحىّ إذ نظرت ... إلى حمام شراع وارد الثّمد (٣)

يحفّه جانبا نيق وتتبعه ... مثل الزجاجة لم تكحل من الرّمد (٤)

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد (٥)

فحسّبوه فألفوه كما حسبت ... تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد

فكمّلت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة فى ذلك العدد

وهى أبيات واضحة الانتحال. ونحن بعد ذلك نصحح بقية المعلقة، كما نصحح قصائده ومقطوعاته الأخرى التى جاءت فى رواية الأصمعى باستثناء ما اتهمناه.

[٤ - شعره]

قرن ابن سلام النابغة إلى امرئ القيس وزهير والأعشى، فهؤلاء الأربعة فى رأيه هم المقدمون على سائر الشعراء فى الجاهلية (٦)، وتبعه الرواة والنقاد يؤمنون بهذا الحكم، وأن الأربعة حقّا هم المجلّون السابقون فى اقتدارهم على تصريف الشعر والنظم فى فنونه المختلفة.


(١) الحيوان ٢/ ٢٤٦.
(٢) طبقات فحول الشعراء (طبع دار المعارف) ص ٤٩ - ٥٠.
(٣) فتاة الحى: زرقاء اليمامة. شراع: مجتمعة. الثمد: الماء القليل.
(٤) يحفه: يحيط به. نيق: جبل. وجعل الحمام يمر فى جانبى نيق لأنه إذا مر فى مضيق من الهواء كان أسرع منه إذا اتسع عليه الفضاء. وشبه عين زرقاء اليمامة بالزجاجة فى صفائها. لم تكحل من الرمد: لم يصبها رمد فتكحل منه.
(٥) قد: حسب.
(٦) انظر طبقات فحول الشعراء ص ٤٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>