للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وسألها كيف نجت من الوأد عرف أنها آوت من حرمه إلى ظل ظليل، وحلّت من فناء داره وساحتها إلى خير معرّس ومقيل، ويقول إن كرمه سيجعله يغضى عن عيوبها، وحسبها شرفا أنها نزلت من جنابه دارا، وكفاها مجد وفخرا أن انعقد بينها وبين فكرك جوار حميد وعقد وثيق. ولابن شبرين المتوفى سنة ٧٤٧ هـ‍/١٣٤٧ م رسالة فكهة كتب بها إلى أبى الحكم بن مسعود الشاهد بالمواريث، ويفتتحها بقوله (١):

«أطال الله بقاء أخى وسيدى لأهل الفرائض يحسن الاحتيال فى مداراتهم، وللمنتقلين إلى الدار الآخرة يأمر بالاحتياط فى أمواتهم، ودامت أقلامه مشرعة (٢) لصرم (٣) الأجل المنسأ (٤)، معدة لتحليل هذا الصنف المنشأ، من الصّلصال والحمأ، فمن ميّت يغسل وآخر يقبر، ومن أجل يطوى وكفن ينشر. . وكلما خربت ساحة، نشأت فى الحانوت راحة، وكلما قامت فى شعب (٥) مناحة، اتسعت للرزق مساحة».

وتمضى الرسالة فى مثل هذه الفكاهة وشاهد المواريث يسأل عن العقار والأملاك، ويقول عن المتوفّى إنه ذكر فى الأسماء الخمسة مع ذو فقيل ذو مال، وأرجل أعوانه تدبّ إلى الأسفاط دبيب الصّقر إلى الحجل (٦)، وحضر الموروث والمكسوب، ووزن بالأرطال، وكيل بالأقداح، والشاهد يصيح فتعلو صيحته، والمشرف يشرف فتسقط سبحته، وتقسّم التركة ويحضر الورثة. وكل ذلك فى أسلوب فكه بديع.

وتظل الرسائل الشخصية فى العهدين السعدى والعلوى تكتب بهذا الأسلوب المسجع البديع، والكتاب يتبارون فى انتخاب ألفاظهم وصياغاتهم انتخابا يروق ويروع.

٤ -

المقامات والرحلات

[(أ) المقامات]

المقامات جمع مقامة، وهى من أهم فنون النثر العربى، ابتكرها بديع الزمان الهمذانى فى أواخر القرن الرابع الهجرى، عارضا أقاصيص على لسان أديب سيار ممن كانوا يسمون فى


(١) النبوغ المغربى ٢/ ١٧٧.
(٢) مشرعة: مصوّبة.
(٣) صرم: قطع.
(٤) المنسأ: المؤجل.
(٥) شعب: طريق.
(٦) الحجل: جمع حجلة: طائر فى حجم الحمام.

<<  <  ج: ص:  >  >>