والطباق حين يريدهما، وهو يعد فى الذروة من شعراء المغرب عامة والجزائر خاصة وسننشد له أشعارا فى الطبيعة وفى النزعة الصوفية إذ كان فنانا كبيرا فى كل ما ألم به من موضوعات.
محمد (١) بن يوسف القيسى الثغرى التلمسانى
أهم شعراء الجزائر فى المائة الثامنة لعهد أبى حمو موسى الثانى، وكان يعاصر كوكبة من الشعراء المبدعين أمثال ابن أبى جمعة التلالسى وعبد المؤمن بن يوسف المديونى ومحمد بن صالح الشقرونى وابن ميمون السنوسى ومحمد بن على العصامى ويحيى بن خلدون وغيرهم كثير. وليس بين أيدينا ما يشير إلى التكوين الأدبى للثغرى، غير أن بيئته كانت تكتظ بالعلماء والأدباء، وكان من ترى فيه مخايل النبوغ الأدبى يختار للعمل فى دواوين الدولة، واختير الثغرى وأصبح كاتب الإنشاء لأبى حمو الثانى، كما أصبح شاعره الفذ الأول، وكان أبو حمو الثانى (٧٦٠ - ٧٩١ هـ) يرعى الأدباء ويجزل لهم العطاء، وكان أديبا كما كان شاعرا كبيرا فطبيعى أن يعنى بالأدباء والشعراء لعهده وأن يكون لشاعره محمد بن يوسف الثغرى حظ كبير من هذه العناية. وكان قد استنّ الاحتفال بالمولد النبوى منذ استولى على صولجان الحكم فكان ينظم فيه مدحة مولدية وكذلك شعراؤه وفى مقدمتهم الثغرى، وكانوا يستطردون فيها من مديح الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى مديحه، وسنلم بذلك فى حديثنا عن المديح النبوى إنما تهمنا الآن مدائح الثغرى فى أبى حمو موسى الثانى وابنيه أبى ناشفين وأبى زيان، ومن قصيدة يمدح فيها أبا حمو:
يا إمام الهدى وشمس المعالى ... وغمام النّدى وبدر النّوادى
لك بين الملوك سرّ خفىّ ... ليس معناه للعقول ببادى
وكأنّ البلاد كفّك مهما ... كان فيها من ينتمى لعناد
لم تزل دائما تحنّ إليكم ... كحنين السّقيم للعوّاد
قد أطاعتكم البلاد جميعا ... طاعة أرغمت أنوف الأعادى
فأريحوا الجياد أتعبتموها ... وأقرّوا السّيوف فى الأغماد
وهو يشيد به، فيجعله إمام الهدى وشمس المعالى وسحاب الكرم والبدر المضيئ الهادى ويقول إن له سر اخفيا بين الملوك جعله محبوبا من شعبه، وكأنما يقبض على البلاد بكفه، بل هى كفه، حتى لو كان فيها خارج عليكم، وإنها لا تزال تحن إليكم حنين السقيم للعواد،
(١) انظر فى محمد بن يوسف الثغرى التلمسانى كتاب نيل الابتهاج لأحمد بابا ص ٢٩٤ وبغية الرواد ليحيى بن خلدون وتاريخ بنى زيان لمحمد بن عبد الله التنسى (انظر فهارسهما) وكذلك فهارس الجزء الثامن من نفح الطيب وأزهار الرياض ٢/ ٣٢٩ وما بعدها.