للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعلمهم، أخيار أفاضل كرام، لهم فى كل صالحة من عمل رضخ أو عطاء جليل، ويقول لهم:

بنى العزفيّين أبلغوا ما أردتم ... فما دون ما تبغون وحل ولا زلخ (١)

ولا تقعدوا عمن أراد سجالكم ... فما غربكم جفّ ولا غرفكم وضخ (٢)

وخلّوا وراء كلّ طالب غاية ... وتيهوا على من رام شأوكم وانخوا (٣)

ولا تذروا الجوزاء تعلو عليكم ... ففى رأسها من وطء أسلافكم شدخ (٤)

وهو يقول لهم إن الدنيا تبلغكم كل ما أردتم من منى وآمال فخذوا منها ما تشاءون فما عائق يحول بينكم وبين ما تتمنون وتأملون ولا تلتفتوا إلى من ابتعى مفاخرتكم بأعماله، فما دلوكم خال ولا غرفكم قليل، وخلّوا وراءكم كل طالب غاية وتيهوا وامتلئوا افتخارا على من يروم أن يبلغ شأوكم من المجد والفخار، ولا تدعوا الجوزاء تشعر بأنها تعلو عليكم ففى رأسها من وطء أسلافكم شدوخ وشروخ. ويمدح ابن الحكيم الوزير الغرناطى فى شعبان سنة ٧٠٦ للهجرة بقصيدة همزية يستهلها بحنين وشوق ظامئ إلى تلمسان ويخلص إلى مديح الوزير منشدا:

ولولا جوار ابن الحكيم محمد ... لما فات نفسى من بنى الدهر إقماء (٥)

حمانى فلم تنشب محلّى نوائب ... بسوء ولم ترزأ فؤادي أرزاء (٦)

دعانى إلى المجد الذى كنت آملا ... فلم يك لى عن دعوة المجد إبطاء

وبوّأنى من هضبة المجد تلعة ... يناجى السّها منها صعود وطأطاء (٧)

يشيّعنى منها إذا سرت حافظ ... وبكلوى فيها إذا نمت كلاّء (٨)

ولا مثل نومى فى كفالة غيره ... وللذئب إلمام وللصّل إلماء (٩)

إذا كان لى من نائب الملك كافل ... ففى حيثما هوّمت كنّ وإدفاء

وهو يعترف بما للوزير ابن الحكيم الغرناطى عليه من منة مشكورة، فلولاه لساق إليه الناس ما يشعره بالذل فقد حماه منهم ومن نوائب الدهر ومحنه، بل لقد دعاه إلى ما كان يتمنى من مجد وأنزله من هضبته مكانا عليا يناجى منه نجم السّها صعودا وهبوطا، وحافظ يشيّعه إذا سار وحافظ يكلؤه ويسهر عليه إذا نام، لا كمثل من لا يرعون من يحمونهم من الذئاب والأفاعى، بل رعاية وكفالة تامة وكنّ مريح يرد البرد ودفء ما بعده دفء. وله وراء ذلك فى ابن الحكيم مدائح تموج بالغريب وبالصور البديعة، فقد كان مصورا بارعا، وكان يخف عليه الجناس


(١) زلخ: تزحلق.
(٢) السجال: المفاخرة. الغرب: الدلو الكبير. جف: خال. وضخ: قليل.
(٣) شأوكم: مداكم وغايتكم. انخوا: تيهوا وتكبروا.
(٤) الجوزاء: كوكب معروف. شدخ: شرخ وجرح.
(٥) إقماء: إذلال.
(٦) لم ترزؤه أرزاء: لم تصبه مصائب.
(٧) تلعة: ربوة. طأطاء: هبوط.
(٨) يكلؤنى: يرعانى ويحفظنى. كلاء: حافظ.
(٩) إلماء: انقضاض.

<<  <  ج: ص:  >  >>