انتهى عهد الدولة الأغلبية فى القيروان وإفريقية التونسية سنة ٢٩٦ وانتقلت البلاد إلى عهد جديد هو عهد الدولة العبيدية وانقسم الناس بين راضين عن العهد الشيعى الجديد وساخطين على هذا العهد وهم فقهاء أهل السنة ومن كان يجلّهم من العامة، وكان لذلك تأثيره فى صقلية، وانضاف إليه أنه برزت فى نفوس كثيرين هناك فكرة الاستقلال والانفلات من التبعية الإفريقية، وأيضا فإن بعض الولاة كان يعدّ صقلية كأنها كنز ألقى إليه، وينبغى أن يأخذ لنفسه منه كلّ ما يريد من مال وثروة، وقد تفاعلت هذه العوامل بعضها مع بعض وأدت إلى اضطراب وفتن كثيرة فى السنوات الثلاثين الأولى من حكم العبيديين لإفريقية التونسية، وأسرع عبيد الله المهدى بإرساله إلى صقلية واليا وقاضيا يحكمانها بمبادئ الفقه الشيعى ويحاولان أن ينشرا فيها الدعوة العبيدية الشيعية، وثاروا على أول ولاته وثانيهم، وولوا عليهم من أنفسهم واليا هو أحمد بن زيادة الله ابن قرهب، فاشترط عليهم أن يعلن ولاءه للدولة العباسية، وكانت عامتهم سنّيّة فارتضوا ذلك وأرسل إلى الخليفة المقتدر بالله يضع إمارة صقلية تحت سلطانه، وخطب له وقطع خطبة المهدى الفاطمى. وأرسل إليه المقتدر بألوية سود وخلع سود وطوق ذهب، وكان للمهدى العبيدى أسطول بمرسى لمطة فأحرقه وقتل قائده. وثار عليه أهل جرجنت وصقلية جميعها فحاول الهروب إلى الأندلس فأسره أهل صقلية هو وابنه وقاضيه وبعثوا بهم إلى المهدى سنة ٣٠٤ فصلبهم وانتهت بذلك حركة ابن قرهب. وأرسلت صقلية تطلب من المهدى واليا وقاضيا وأنهم فى غير حاجة إلى جند، فتنبّه إلى ما يريدون من الاستقلال فأرسل إليهم من الكتاميين حملة تؤدّبهم، وولّى عليهم فى سنة ٣٠٥ سالم بن أبى راشد، وكان جبّارا عاتيا وظالما عسوفا، فأخذ ينزل صورا شديدة من التنكيل لا بالأفراد فحسب، بل أيضا بالمدن، وهو تنكيل أدّى بأهل صقلية إلى الإمعان فى مقاومته فثارت عليه جرجنت، وتبعتها بلرم،
(١) انظر فى العهد العبيدى وعهد بنى أبى الحسين المراجع المذكورة فى عهد الأغالبة والحلة السيراء لابن الأبار فى الخلفاء العبيديين وخليل بن إسحاق واتعاظ الحنفا بأخبار الخلفا للمقريزى وكتابه الخطط والنويرى فى المكتبة الصقلية وأبا الفدا فى حوادث سنة ٣٣٦ وسفرنامه لناصر خسرو، ورياض النفوس للمالكى.