كانت فاتحة أعمال سنان باشا بعد تحريره القطر التونسى أن أعلن إلحاقه بالدولة العثمانية، فأصبحت إحدى ولاياتها فى إفريقية الشمالية الممتدة من مصر إلى الجزائر، وأخذ يرسى النظام الذى سيقوم على أسسه الحكم فى تونس، فنظم الديوان الذى تجتمع فيه الهيئة الحاكمة للنظر فى شئون الجند والولاية، وقدّر الرواتب، ورتّب لجباية الأموال مشرفا باسم الباي، وجعل للبلاد حامية عسكرية عدادها أربعة آلاف جندى من الانكشارية، وهم جند الدولة الذين كانت تربيهم تربية إسلامية عسكرية، وكانت تجلبهم من الأناضول ومن سباياها فى أوربا، وجعل على كل مائة منهم أميرا يسمى «الداى» وجعل عليهم رئيسا هو الأغا، وانتخب بعض الأعيان من البلاد لمشاركة الديوان فى الحكم، وضرب السكة باسمه. ولما أنهى كل هذه الترتيبات وخطب الخطباء فى تونس باسم السلطان العثمانى عاد إلى إستانبول دار دولته وحكومته. وعينت إستانبول لتونس واليا بلقب باشا، ولم يلبث الدايات أن شغبوا على الوالى سنة ٩٩٩ هـ/١٥٩١ م واتفق الرأى على اختيار أحدهم ليكون له الرأى النافذ فى شئون الانكشارية، وسرعان ما أخذ هؤلاء الدايات يتسلطون على الحكم فى تونس ويعينون الوالى منهم وتضطر الدولة إلى قبول الواقع، وأول داى مهم منهم تولى شئون البلاد عثمان داى، وكان من خيرة الجند الذين رافقوا سنان باشا، وقد تولاها سنة ١٠٠٧ هـ/١٥٩٩ م فسنّ قوانين وطّد بها الأمن والعدل فى البلاد، وأشرف على القرصنة فى البحر المتوسط وعظم حظ تونس من غنائمها الوافرة، وفى أيامه سنة ١٠١٦ هـ/١٦٠٩ م أخرج الإسبان من بقى بديارهم من الأندلسيين إلا من تنصر أو تظاهر بتنصره، فهاجر منهم آلاف إلى تونس، وأكرمهم عثمان داى، إذ أقطع ذوى اليسار منهم ما اختاروه من الأراضى ووزع على المحتاجين منهم الأموال والنفقات فانتشروا فى أرجاء البلاد وأخذوا يؤسسون فيها المدن والقرى وينشئون المصانع والمزارع والبساتين، وبذلك أحدثوا فى إقليم تونس نهضة عمرانية وصناعية وزراعية، ويقال إن
(١) انظر فى العهد العثمانى بتونس كتاب المؤنس فى أخبار إفريقية وتونس لابن أبى دينار والحلل السندسية فى الأخبار التونسية للوزير السراج وذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان لحسين خوجه تحقيق الطاهر المعمورى (طبع تونس) ورحلتى العياشى والناصرى ودائرة المعارف الإسلامية فى مادة تونس وما بها من مراجع تاريخية عن العصر التركى وخلاصة تاريخ تونس للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب.