المهاجرين منهم فى عهد عثمان داى كانوا يبلغون ثلاثين ألفا، ولم يلبث أن توفى سنة ١٠١٩ هـ/١٦١١ م ودفن بزاوية ابن عروس. وخلفه يوسف داى، واستمر نزول المهاجرين الأندلسيين فى البلاد وأفاءوا عليها عمرانا وفيرا، وقد استرد جزيرة جربة من والى طرابلس العثمانى، واتفق على تسوية الحدود بين تونس والجزائر، ومن أعماله إنشاؤه جامعه الكبير ومدرسة سميت المدرسة اليوسفية نسبة إليه، وتنظيمه أسواق المتاجر، ونشط الأسطول التونسى لأيامه بقيادة قبطانه مراد، ويقال إنه غنم فى إحدى غاراته البحرية تسعين سفينة.
وتوفى يوسف داى سنة ١٠٤٠ هـ/١٦٣١ م وخلفه القبطان مراد رئيس البحر، وفى أيامه تمتعت تونس بحياة رغدة آمنة فأحبه الناس، وعمل على أن تظل ولاية تونس فى بيته فتنازل عن الحكم لابنه حمودة، وأقرت الدولة العثمانية صنيعه، وبذلك أصبح حكم تونس وراثيا فى أسرته، وكان عهده وعهد ابنه حمودة عهدا هنيئا فى تونس واستطاعت كتيبة الصبائحية أن تقضى على العصاة قضاء نهائيا فى عهد حمودة فأمنت السبل وعاش الناس فى اطمئنان سابغ أو غامر فى جميع أنحاء الإقليم، ومن أعماله بناء جامع بديع بجوار زاوية أحمد بن عروس وصومعة أنيقة لجامع الزيتونة ومارستان للمرضى، وعنى بقصور الحفصيين فى باردو. واشتهرت زوجته عزيزة حفيدة الداى عثمان بأعمال بر كثيرة، من ذلك أنها حبست وقفا كبيرا على مارستان كان خاصا بمرضى الأعصاب، ولذلك سمى دار الدراويش، ومن الطريف أنها خصّت قسما من الوقف بالعود والرباب والضاريين عليهما ترويحا لأولئك المرضى، وبذلك سبقت الطب الحديث إلى تبين تأثير الموسيقى فى مداواتهم وتهدئة أعصابهم. وتوفى حمودة المرادى سنة ١٠٧٦ هـ/١٦٦٦ م وخلفه ابنه مراد وكان حسن السيرة وقبض بقوة على زمام الأمور، وسمع بأن جنود الانكشارية فى طرابلس قتلوا الوالى فذهب إليهم ونكّل بهم، وأجلس ابنا له فى عمله.
وتوفى سنة ١٠٨٦ هـ/١٦٧٦ م. وولى بعده خلف سئ شاع فى أيامهم البغى والظلم، وتنازعوا فى الاستيلاء على الحكم واستعان بعضهم بالجزائر، ودخلت جنودها تونس غير مرة، مما جعل الداى إبراهيم الشريف يفتك بآخر أمرائهم سنة ١١١٤ هـ/١٧٠٣ م. وبذلك انقرضت الدولة المرادية، وعاود الجزائريون الكرة على البلاد التونسية، وهزموا إبراهيم الشريف.
وجزع أهل الحل والعقد فى تونس من الشيوخ وغيرهم، واتفقت كلمتهم على إسناد الدولة للباى حسين بن على وكان قد تقلد وظائف حربيّة وإدارية مختلفة للأسرة المرادية، ولم يجد بدا من النزول على رأيهم وإرادتهم. وفرح به أهل تونس وبايعوه فى ربيع الأول سنة ١١١٧ هـ/يولية ١٧٠٥ م. وبدأ أعماله بإصلاح سور تونس وتحصين قلاعها، ولم يلبث الجيش الجزائرى أن خيّم بالقرب من تونس فدارت الحرب وثبت التونسيون، وتقهقر الجزائريون إلى بلادهم. وأخذ الإقليم التونسى يعيش فى أيامه حياة رغدة آمنة وانتعشت المزارع والمتاجر والمصانع، وأخذ يعنى بإنشاء المدارس، فأنشأ فى تونس مدرستين كما أنشأ مدرسة فى كل من