كان تحول الخلافة من دمشق إلى بغداد على سواعد الجيوش الخراسانية إيذانا بغلبة الطوابع الفارسية على نظم الحكم السياسية والإدارية للدولة العباسية، فقد قامت فى المجال الفارسى وعاشت تتنفّس فيه. وقد بلغ الفرس قبل الفتوح الإسلامية مرتبة عالية فى تنظيم الحكم، حتى لنرى العرب بعد فتح ديارهم يسارعون إلى التأثر بهم فى هذا التنظيم، فقد روى الرواة أن عمر بن الخطاب اتخذ ديوان العطاء أو ديوان الجند، مقتديا فيه بصنيع الساسانيين، يقول ابن الطقطقى: «لما كانت سنة خمس عشرة من الهجرة، وهى خلافة عمر رضى الله عنه، رأى أن الفتوح قد توالت وأن كنوز الأكاسرة قد ملكت وأن الحمول من الذهب والفضة والجواهر النفيسة والثياب الفاخرة قد تتابعت، فرأى التوسيع على المسلمين وتفريق تلك الأموال فيهم، ولم يكن يعرف كيف يصنع وكيف يضبط ذلك، وكان بالمدينة بعض مرازبة الفرس فلما رأى حيرة عمر قال له: يا أمير المؤمنين إن للأكاسرة شيئا يسمونه ديوانا جميع دخلهم وخرجهم مضبوط فيه لا يشذ منه شئ، وأهل العطاء مرتبون فيه مراتب لا يتطرق عليها خلل. فتنبّه عمر رضى الله عنه، وقال: صفه، فوصفه المرزبان. ففطن عمر لذلك ودوّن الدواوين وفرض العطاء (١)».
وكان هذا الديوان الأصل الذى تأسست عليه الأداة الحكومية للخلافة الإسلامية. وارتضى عمر لولاته فى الشرق أن يستعينوا فى جمع الخراج بنفس عمّال الفرس الذين كان يستعين بهم الساسانيون فى جمع الضرائب وهم المسمون بالدهاقين لخبراتهم التامة بكل الشئون المتصلة بهذا الجمع، وخاصة من حيث تقدير الخراج.
وبذلك استمرت فى أيدى هؤلاء الدهاقنة سجلاّت الخراج الإسلامى، وظلوا يكتبونها بالفارسية حتى أمر عبد الملك بن مروان بتعريبها فى العراق، كما أمر بتعريب الدواوين الرومية فى الشام ومصر. وصدع الحجاج واليه على العراق بأمره فعرّبها،