للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة وغير المدينة يتغنى باسمها وحبها متحملا من الجهد فى عشقها ما يطيق وما لا يطيق، وتمضى الأعوام وصبوته إليها تزداد به حدة وعنفا، وذكراها لا تبرح مخيلته، بل تعيش فى قلبه كأنها دينه، وهو يرتل غزله كأنه صلوات يودعها عبادته على شاكلة قوله:

ألا ليت شعرى هل أبيتنّ ليلة ... بوادى القرى إنى إذن لسعيد

وهل ألقين فردا بثينة مرة ... تجود لنا من ودّها ونجود

علقت الهوى منها وليدا فلم يزل ... إلى اليوم ينمى حبّها ويزيد

وأفنيت عمرى فى انتظار نوالها ... وأبليت فيها الدهر وهو جديد

إذا قلت ما بى يابثينة قاتلى ... من الحبّ قالت ثابت ويزيد

وإن قلت ردّى بعض عقلى أعش به ... مع الناس قالت ذاك منك بعيد

فلا أنا مردود بما جئت طالبا ... ولا حبّها فيما يبيد يبيد

يموت الهوى منّى إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود

وشعر جميل كله فى بثينة على هذا النحو يمتاز بصدق اللهجة وحرارة العاطفة. وقد ظلت بثينة تحفظ له حبه، إلى أن وافاه القدر بمصر فى ولاية عبد العزيز بن مروان عليها، فبكته، ويقول الرواة إنها ظلت تبكيه إلى أن لحقت به.

[٣ - شعراء الزهد]

تتردّد فى القرآن الكريم دائما الدعوة إلى الزهد فى الحياة الدنيا ومتاعها الزائل، وهى دعوة تحمل فى تضاعيفها الحثّ على التقوى والعمل الصالح، فالمسلم الحق من عاش للآخرة، ورفض عرض الدنيا، فلم يأخذ منه إلا بحظ محدود، حظ يقيم أوده، ويعدّه للكفاح فى سبيل الله، ومن ثمّ كان زهد

<<  <  ج: ص:  >  >>