أشجاره، حتى إذا كان الربيع كسى غصونه الأوراق والأزهار الأرجة. ويقول:
لا أقبل الضيم كيف أقبله؟ ... والمجد يأباه فىّ والحسب
والشمس صونا لضوء طلعتها ... قبل لحاق الظلام تحتجب
يقول إنه لا يقبل الضيم وكيف يقبله ومجد آبائه وعشيرته يستدير من حوله هالة منيرة تحول بينه وبين الرضا بالهوان. وإنه ليصون نفسه وخصالها الكريمة كما تصون الشمس ضوءها، بل إنها لتحتجب قبل أن يلحقها الظلام ويرخى الليل سدوله على الآفاق.
[٣ - شعراء المراثى والشكوى]
المراثى قديمة فى الشام منذ عصر بنى أمية فقلما كان يموت خليفة أموى إلا ويرثيه الشعراء من الشام والعراق والحجاز، ويدخل عصر الولاة ومنذ أواخر القرن الثانى تشارك الشام بقوة فى الشعر العربى، ولا يلبث أبو تمام الدمشقى أن يحمل راية الشعر وزعامته لا فى الشام وحدها بل أيضا فى العالم العربى جميعه، وتحتل المراثى بابا كبيرا فى ديوانه، ويخلفه تلميذه البحترى المنبجى الحلبى المتوفى سنة ٢٨٤ للهجرة وتشغل المراثى حيزا كبيرا فى شعره. ونلتقى فى أوائل هذا العصر: عصر الدول والإمارات بكشاجم. وله رثاء فى أبيه وأمه، وأروع من رثائه فيهما رثاء أبى فراس لأمه حين جاءه نعيها فى أسر الروم، فأحس فى عمق بفجيعته فيها وهو غائب عنها لا يملك إلا أن يذرف الدموع الحارة. وله مرثية بديعة فى أخت له يقول فيها (١):
أتزعم أنك خدن الوفاء ... وقد حجب التّرب من قد حجب
فإن كنت تصدق فيما تقول ... فمت قبل موتك مع من تحبّ
وكنت أقيك إلى أن رمتك ... يد الدّهر من حيث لا أحتسب
فلا سلمت مقلة لم تسحّ ... ولا بقيت لمّة لم تشب
ولو ردّ بالرّزء ما تستحقّ ... لما كان لى فى حياتى أرب