للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم (١) الحصرى

هو أبو إسحاق إبراهيم بن على المشهور بالحصرىّ نسبة إلى قرية بحذاء القيروان اسمها الحصر، قال ابن رشيق فى التعريف به إنه «نشأ على الوراقة والنسخ لجودة خطه، وكان منزله لزيق جامع القيروان فكان الجامع بيته وخزانته، وفيه اجتماع الناس إليه ومعه. ونظر فى النحو والعروض. ولزمه شبان القيروان، وأخذ فى تأليف الأخبار وصنعة الأشعار، مما قرّبه إلى قلوبهم، فرأس عندهم، وشرف لديهم. ووصلت تأليفاته صقلية وغيرها وانثالت (انهالت) الصلات عليه، مات بالمنصورة (بالقرب من القيروان) سنة ٤١٣ وقد جاوز الأشدّ. وكان شاعرا نقادا عالما بتنزيل الكلام وتفصيل النظام، يحب المجانسة والمطابقة ويرغب فى الاستعارة تشبّها بأبى تمام فى أشعاره، وتتبعا لآثاره، وعنده من الطبع ما لو أرسله على سجيته لجرى جرى الماء، ورقّ رقة الهواء». ويتبع ابن رشيق فى الثناء عليه ابن بسام فى الذخيرة قائلا إنه كان صدر النّدىّ ونكتة الخبر الجلىّ، وديوان اللسان العربى، راض صعابه، وسلك أوديته وشعابه، وجمع أشتاته وأحيا مواته». وللحصرى مؤلفات أدبية بديعة، أهمها زهر الآداب وثمر الألباب المنشور فى أربع مجلدات، عارض به كتاب البيان والتبيين للجاحظ كما يقول ابن بسام «وما يقصر عنه مداه، ولا قصّرت خطاه، ولم يورد فيه كلام العرب كما صنع الجاحظ، وإنما أورد روائع العباسيين من الشعراء والكتاب حتى عصره، وكاد لا يترك لهم مقطوعة شعرية بديعة ولا رسالة أدبية رائعة إلا دوّنها، يسعفه ذوق مصفى وحس دقيق وشعور رقيق، وأكثر من الاختيار لبديع الزمان فلم يترك له رسالة بليغة ولا مقامة باهرة فى رأيه إلا دونهما فى كتابه، ونعجب أن يقدم لشباب الأدباء فى الإقليم التونسى مقامات بديع الزمان، ولا يصدرون عنها فى صنع مقاماتهم، غير أنهم إن كانوا عزفوا عما فى مقاماته من الكدية والشحاذة الأدبية فمما لا شك فيه أنهم مضوا يستوعبون ويتمثلون ما قدمه لهم من غذاء الشعر والنثر العباسى الرفيع، وهو غذاء ظل يحيا حياة متصلة فى جيله والأجيال بعده، ومن أجله كان الشباب فى إفريقية التونسية يلزمونه فى حياته ويلزمون آثاره بعد مماته، إذ كان له من التآليف بجانب زهر الآداب كتاب الجواهر فى الملح والنوادر وكتاب المصون والدرر المكنون وكتاب النورين أو نور الظّرف ونور الطرف، وجميعها مختارات من رسائل وأشعار «أندى-كما يقول ابن بسام-من نسيم الأسحار، وأذكى من شميم الأزهار» وقد عرض منها فصولا بديعة. وتهمنا الفصول التى اختارها من رسائله، ومما اختاره له من رسالة إخوانية قوله:


(١) انظر فى ترجمة الحصرى الأنموذج ص ٤٥ والذخيرة ٤/ ٥٨٤ ومعجم الأدباء ٢/ ٩٤ وابن خلكان ١/ ٥٤ والوافى للصفدى ٦/ ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>