رأينا تفنّن الخلفاء والوزراء فى بناء القصور، حتى ليشبه بعضها مدنا صغرى تمتلئ بالأبنية والأفنية والأساطين والقباب والبساتين والجداول والبرك والنافورات، مع التأنق فى أبوابها ونوافذها وشرفاتها وزخرفة حيطانها بالنقوش والصور وتعليق الستائر الحريرية عليها، ومع ما يموج فيها من البسط والسجاجيد والطنافس والمناضد والتحف المرصعة بالجواهر.
وقد افتتح العصر بالمتوكل وقصوره الباذخة التى كلفت الدولة ملايين الدنانير، ويكفى لتصور ما كان فى عصره من بذخ وترف شديد أن نروى ما قصّه الرواة عن حفله الذى أقامه بمناسبة إعذار (ختان) ابنه المعتز، فقد أمر وزيره الفتح بن خاقان أن يلتمس فى خزائن الفرش بساطا لإيوان قصر البركوار الذى أقام فيه الإعذار، وأن يكون فى طوله وعرضه، وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسين، ووجد طلبته: بساطا مذهبا مبطنا، يقال إن التجار قوّموه بعشرة آلاف دينار.
وبسط فى الإيوان ووضع للمتوكل فى صدره سرير، مدّ بين يديه أربعة آلاف مرفع (كرسى) مذهبة مرصعة بالجواهر وعليها تماثيل العنبر والندّ والكافور. ومدّت الموائد وتغدّى المتوكل والناس. وجلس على السرير، وأحضر الأمراء والقواد والندماء فأجلسوا على مراتبهم، وجئ بأوعية مملوءة دراهم ودنانير نصفين، صبّت فيها حتى ارتفعت. ووزّع الغلمان الشراب، ودعوا كل من يشرب إلى أن يأخذ ثلاث حفنات أو ما حملت يداه من ذلك المال. وكان الناس يجمعونه فى أكمامهم الواسعة ويخرجون إلى غلمانهم فيدفعونه إليهم ويعودون إلى مجالسهم. وكلما خلا وعاء مما فيه أتى الفراشون بما يملؤه من الدنانير والدراهم حتى يعود كما كان. وخلع على سائر