للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان أبو نواس شغل فى زهدياته بمصير الإنسان فإن ابن حازم، وغيره كثيرون، شغلوا بالدعوة إلى القناعة بالكفاف والرضا بالحظ المقسوم والغنى عما فى أيدى الناس والحكام من مثل قوله (١):

اضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس ... واقنع بيأس فإن العزّ فى الياس

واستغن عن كل ذى قربى وذى رحم ... إن الغنىّ من استغنى عن الناس

وأخذت تظهر حينئذ تباشير التصوف، غير أنه لا يزدهر فى هذا العصر، إنما يزدهر فى تاليه، وسنعرض لتلك التباشير فى الفصل السادس، وأيضا سنعود إلى الحديث عن الزهد حديثا أكثر تفصيلا.

[٤ - موضوعات جديدة]

رأينا موضوعات الشعر القديمة تتجدد تجددا واسعا فى معانيها، فقد أخذت تعرض بصورة أدق وأعمق، وأخذت تدخل عليها إضافات كثيرة. ولم يقف الشاعر العباسى عند ذلك فقد أخذ ينمّى بعض جوانب هذا الشعر حتى لتخرج منه فروع جديدة كثيرة. ونحن نعرضها بترتيب الموضوعات التى تحدثنا عنها، وأولها مثالية الشيم العربية الرفيعة التى كان يصف بها الشعراء ممدوحيهم، فقد تناولوا هذه الشيم شيمة شيمة، وأخذوا يفردونها بمقطوعات أو قصائد، يجردونها لها محللين، ومفكرين ملاحظين، فقطعة فى تصوير الكرم، وقطعة فى تصوير الحلم، وقطعة فى تصوير الحياء، وقطعة فى تصوير العفة، وقطعة فى تصوير الصبر والتنفير من اليأس من مثل قول محمد بن يسير: (٢)

لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا

إن الأمور إذا انسدّت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كلّ ما ارتتجا (٣)


(١) العقد الفريد ٣/ ٢٠٧.
(٢) أغانى ١٤/ ٤٢ وقد نسبها ابن المعتز لابن حازم. انظر ص ٣٠٩.
(٣) ارتتج: أغلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>