للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينساها كما نسيته. وهو يسوق ذلك فى لغة عذبة صافية وفى عبارات مسجوعة مصورة منمقة بالغة الروعة، وراجعه القعينى برقعة انتصر فيها لنفسه، فأجابه الصقلى برقعة على شاكلة رقعته السابقة، وإن ما دوّنه ابن بسام من رقعه ورسائله ليصور للنثر الأدبى فى صقلية نهضة وازدهارا.

ابن (١) ظفر الصقلى

هو حجّة الدين أبو عبد الله محمد بن أبى محمد بن محمد بن ظفر المشهور باسم ابن ظفر الصقلى، ولد بصقلية سنة ٤٩٧ فى أيام ملكها النورمانى روجار الثانى، رحل من بلده صغيرا فى طلب العلم، ويقال إنه نشأ فى مكة، ولا نعرف كيف انتقل إليها، وبارحها إلى مصر ثم إلى إفريقية، وأقام بالمهدية مدة فى زمن الحسن بن على بن تميم آخر ملوكها الصنهاجيين، وشهد بها الحروب بين روجّار الثانى ملك صقلية والحسن المذكور، كما شهد أخذها منه واستيلاء النورمان عليها سنة ٥٤٣ ورحل إلى صقلية وفيها تعرف على قائد مسلم من قوادها يسمى محمد بن أبى القاسم القرشى، وبقى عنده فترة أكرمه فيها غاية الكرم، مما دفعه إلى تصنيف أربع مؤلفات أهداها إليه جميعا، ولم يحتفظ الزمن باثنين منها، وهما أساليب الغاية فى إحكام آية ومثنى الاستئناف للمعونة والإشراف، واحتفظ باثنين طبعا ونشرا هما: أنباء نجباء الأبناء، وسلوان المطاع فى عدوان الأتباع، وسنلم بهما عما قليل، وعاد من صقلية إلى مصر، ورحل منها إلى حلب وأقام فيها بمدرسة ابن أبى عصرون، ووقعت فيها فتنة بين الشيعة وأهل السنة نهبت فيها كتبه، فخرج منها إلى مدينة حماة فصادف من أهلها وطلابها قبولا فسكن بها، ويقول العماد الأصبهانى: «كان إمام وقته فى التفسير والأدب، رأيته بحماة مقيما، ونفوس طلبة العلم إليه هيما (عطشى) وأجرى له راتب فى ديوان حماة، غير أنه كان دون الكفاف»، فلم يزل يكابد الفقر إلى أن لبّى نداء ربه سنة ٥٦٧ للهجرة. وكان قصير القامة تقتحمه العين، غير أنه كان علامة فى التفسير واللغة والأدب غزير التأليف والتصنيف، وإن كانت أكثر مصنفاته ومؤلفاته سقطت من يد الزمن، ومنها فى التفسير ثلاثة كتب: التفسير الكبير وينبوع الحياة وإكسير كيمياء التفسير، وحاشية على كتاب درة الغواص للحريرى ردّ فيها عليه، والمطول شرح مقامات الحريرى، والمختصر شرحها أيضا، والتنقيب على ما فى المقامات من الغريب، وخير البشر بخير البشر ذكر فيه الإرهاصات التى كانت بين يدى ظهور الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأرجوزة فى الفرائض، وكتاب الاشتراك اللغوى، وكتاب ملح اللغة فيما اتفق لفظه واختلف معناه وكتاب القواعد والبيان فى


(١) انظر فى ترجمة ابن ظفر الخريدة قسم الشام ٣/ ٤٩ وابن خلكان ٤/ ٣٩٥ ومعجم الأدباء ١٩/ ٤٨ وإنباه الرواة ٣/ ٧٤ والوافى للصفدى ١/ ١٤١ والعقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين للفاسى (طبع القاهرة) ٢/ ٣٤٤ وبغية الوعاة للسيوطى ٥٩ والمكتبة الصقلية لأمارى ٦٠٥، ٦٥٩، ٦٦٥، ٦٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>