فى أعراقها وأنسابها، والغرائب التى ذكرت عن قوّتها وأيدها، وحيلها وكيدها، ومكرها بالفار وصيدها. . ذات ناب مطلول (عجيب) وساعد مفتول، وخصر مجدول (صلب) ريّانة (ممتلئة) الكاهل، ظمآنة الأسافل، تستضيئ من عينيها بأنور من المصباح، وتعتدّ من مخالبها بأمضى من السلاح».
وابن الصباغ يستمر فى روحه الفكهة، فيزعم أن القعينى طالما حدّثه عن أخلاقها وآدابها وأعراقها وأنسابها ومكرها بالفار وصيدها له فى لمحة، ويشيد بجمال تكوينها وقوة بصرها ومخالبها. وهى روح فكهة بديعة لابن الصباغ، مع القدرة البارعة على انتخاب اللفظة وأختها والسجعة وشقيقتها مع إحكام التصاوير والمشاهد. وحدث أن كانت لصديقه القعينى جارية سوداء كلف بها ثم باعها، وندم فحاول استرجاعها، فزعم مشتريها أنها حامل، وتولاّه الأسف، ونظم فى ذلك أشعارا كثيرة، فكتب إليه ابن الصباغ رسالة فكهة يقول فيها:
«نقل إلىّ بعض من يعرف أحوالك، ويشارف فعالك خبرا يصمّ السّمع، ويضيّق الذّرع (الطاقة الواسعة) وذلك أنك أخرجت عن ملكك ضفدعتك المريعة (المفزعة) فتناولها من استحسنت غدرانه، وبلغك من إقبالها عليه، وانصرافها بكليّتها إليه، ما أضرم قلبك شوقا لا تخبو ناره، وسلّ الوجد بها عضبا (سيفا) لا ينبو غراره (حدّه) فأنشرت (بعثت) للناس من نفسك (توبة) الأخيلية، وأحييت لهم منك مجنون (قيس) العامرية، وعضضت على بيعها أناملك، وأنضيت (أهزلت) فى طلبها زواملك (إبلك) وأطلت فى وصف شوقك لها وأوجزت، وقصّدت (نظمت القصائد) فى ذكر الأسف عليها ورجزت (نظمت الأراجيز) وجمعت لها من المحاسن ما افترق، وفتحت من البدائع فيها ما انغلق. . فأصبحت والظنون بك مرجّمة (متكلمة) والألسنة عنك مترجمة، والأقوال فيك كثيرة، والأيدى إليك مشيرة، فنهنه (ازجر) قلبك، وراجع لبّك.
واذكر خلقها وخلقها، وتأمّل وجهها وعنقها، وانظر خدّها وقدّها، وهل شئ مما يستملح عندها؟ ! فهنيئا أبا حفص راحة بصرك من شخصها المقيت، وفراغ قلبك من الكبد بخلقها المميت. . وكأنى بك قد أنشدت بيت ابن الرومى فيمن لا يشبهها إلا فى سواد الجلد، ولا يشركها إلا فى النسبة إلى الجد، إذ يقول:
أكسبها الحبّ أنها صبغت ... صبغة حبّ القلوب والحدق
هيهات. . ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة».
وابن الصباغ يتهكم بصديقه القعينى مرارا وتكرارا، إذ يصور عشقه لجاريته وما يضرم فى قلبه من نار لا تخبو، حتى لكأنما بعث من نفسه توبة بن الحميّر عاشق ليلى الأخيلية وقيسا عاشق ليلى العامرية، ويذم الجارية ذمّا شديدا ترويحا عن صاحبه حتى يسلوها ويمسك عن ذكرها